يسود مفهوم في لبنان والمنطقة العربية بشكل عام ان من يتقن الفرنسية ويتكلمها هو شخص مثقف وعلى قدر مقبول او عال من الطبقات الاجتماعية. ولكن هذا المفهوم اضمحل وتم نسفه من اساسه حين استقطبت التنظيمات الارهابية المجرمة اشخاصاً معدومين من دول اخرى.

بالامس، اطلّ علينا تنظيم داعش الارهابي بـ"فيلم" جديد مكتمل المواصفات: اخراج متقن، مجرم اخذ دور البطل وهدد احد العسكريين الرهائن، كومبارس (عنصران من التنظيم الارهابي يقفان دون كلام او حركة)، وحدهم الرهائن كان دورهم، وللأسف، حقيقيّ.

فجأة، اخذ الممثل البارع يتفاعل مع السيناريو يحرّك يديه (كما يفعل الممثلون) يتحدث باللغة الفرنسية، ولم ينجح في نشر المفهوم الذي كان سائداً لجهة انه مثقف ومتعلم، بل رسّخ من خلال لهجته، انه من اصول عربية وكان يعيش في فرنسا على غرار الملايين من الفرنسيين المتحدرين من اصول عربية، مع فارق اساسي انه مجرم وارهابي.

وبغض النظر عن الشكل، فإن المضمون هو ما يجدر التوقف عنده. فقد نطق الارهابي بالفرنسية كلمات تتوجه بالتهديد لكل من النائبين ​سعد الحريري​ و​وليد جنبلاط​ اضافة الى رئيس حزب القوات اللبنانية ​سمير جعجع​(1).

الغريب في الامر ان هذا التهديد اتى لثلاثة زعماء سياسيين اتهموا بـ"التعاطف" مع داعش وجبهة النصرة، فلماذا تسميتهم تحديداً؟

استهداف النائب الحريري طبيعي، كونه الزعيم السنّي الاكثر تأثيراً في لبنان ومقيم في فرنسا والسعودية معظم الوقت، وقد أولته السعودية مسألة التصرف بهبة المليار دولار المخصصة لدعم القوى الامنية ضد الارهاب. ولكن هذا التهديد يأتي عقب قرار اجراء الحوار بين تيار "المستقبل" و"حزب الله" والذي بات موعده قريباً جداً.

اضافة الى ذلك، يدعم هذا التهديد نفي "المستقبل" والسعودية التهم بدعم هذا التنظيم الارهابي او على الاقل توفير بعض المقومات له (معنوياً ومادياً)، كما يُظهر انهما في صفوف اعدائه.

ومن شأن هذا التهديد بطبيعة الحال، ان يؤخر عودة النائب الحريري الى لبنان ما لم يطرأ تغيير سياسي يلزم حضوره.

لكن، ماذا سيربح داعش من استهداف النائب الحريري؟ فهذه الخطوة من شأنها القضاء على اي تعاطف سنّي محتمل مع هذا التنظيم او غيره، كما ستؤدي الى تقارب سنّي-شيعي غير مسبوق ضد كل التنظيمات وستزيد من الضغط المعنوي والعسكري عليها.

اما تهديد النائب جنبلاط، فيأتي على خلفية الجولات التي يقوم بها في الآونة الاخيرة والتي يشدّ فيها العصب الدرزي للتعاون والتكاتف مع الطوائف الاخرى لمواجهة خطر حصول اي خرق لاي منطقة على يد المنظمات الارهابية وبالاخص داعش. وفيما يعتبر البعض ان "غزل" النائب جنبلاط بجبهة النصرة الارهابية هو من باب الحفاظ على الدروز، يجدر التساؤل عما سيستفيد داعش من استهداف الزعيم الدرزي؟ وللعلم فقط، فإن وزير الصحة وائل ابو فاعور هو من ابرز الناشطين على خط الوساطة واكثر المحرّكين لمسألة المقايضة، فيما يحظى النائب جنبلاط بثقة اهالي العسكريين المخطوفين. وهذا التهديد، فيما لو حصل، من شأنه ان يقضي على قوة اساسية تدفع بعكس الخيارات الاخرى التي يمكن اعتمادها في ملف الخاطفين.

وفي ما يتعلق بتهديد سمير جعجع، فقد يعود الى كونه زار السعودية اخيراً، والى الحديث عن قرب لقائه والنائب العماد ميشال عون. ولكن ما الفائدة التي ستصبّ في خانة داعش اذا تم استهداف جعجع؟ الخسارة اكبر بكثير من اي ربح قد يتأتى عن هذه الخطوة، فجعجع من المعارضين بشدة لـ"حزب الله" وهو لا يدع فرصة الا ويركّز فيها على هذا الامر. وبعد المواقف الاخيرة لرئيس حزب الكتائب امين الجميل التي اطلقها من الجنوب، بات جعجع الزعيم المسيحي الابرز في قوى 14 آذار الذي ينتقد "حزب الله" في كل مناسبة.

يبقى ان تسمية فرنسا دون غيرها من قوى التحالف المناهض لداعش، مردّه الى صفقة السلاح الذي ينتظره الجيش اللبناني وقرب موعد تسلّمه اسلحة يقال انها نوعية. وغريب انه لم يتم تسمية السعودية وهي الممول لهذا المشروع.

وعلى امل ان يبقى التهديد بالشكل والكلام فقط، لم تصل الرسالة التي ارادها تنظيم داعش ان تصل الى اللبنانيين او غيرهم من خلال هذا التهديد، كما لم تفعل اللغة الفرنسية فعلها وبقيت قيمة الفيديو فقط في اظهاره الابطال الحقيقيين فيه اي المخطوفين الثلاثة.

(1)بتاريخ 20/12/2014، سلّم تنظيم داعش الارهابي الشيخ وسام المصري شريط فيديو مدته دقيقة يظهر فيه ثلاثة مسلحين يهددون بالسكاكين ثلاثة عسكريين مخطوفين، وتكلم احد المسلحين بالفرنسية مهدداً النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مسمياً اياهم "حلفاء فرنسا في لبنان"، ومحمّلاً اياهم مسؤولية سلامة العسكريين المخطوفين.