خفِّفوا من حشريتكم، فليس بالحشرية تحيا السياسة.

الرئيس سعد الحريري سيغادر غداً أو بعد غد أو الأسبوع المقبل.

الرئيس الحريري مدَّد إقامته في لبنان لأنَّ هناك ملفات يريد إنجازها قبل أن يعود إلى الرياض أو إلى باريس.

الرئيس الحريري لا يمكن أن يبقى في لبنان، لأنَّ عودته كانت مرتبطة بالذكرى العاشرة لإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

هذا هو لسان حال البعض، وكأنَّه لم يعد هناك من شيء يعملونه أو شيء يقولونه إلا ماذا فعل الرئيس الحريري!

وكم سيقيم في لبنان؟

وكأنه بالنسبة إليهم سائح أو أحد أبناء جاليةٍ ما أو مغترب يقيم لأيام في الربوع اللبنانية!

فمَن ينزل إلى بيت الوسط يجد حجم الإنشغال الذي يترتَّب على الرئيس الشاب:

عشرون ساعة عمل في الأربع والعشرين ساعة، لقاءات متواصلة وموصولة، إجتماعات عمل على كلِّ المستويات، مقاربة كل الملفات، ثم يأتي مَن يقول:

إلى متى سيبقى الشيخ سعد في لبنان؟

هذا بالتأكيد ليس سؤال الحشريين فقط، إنَّه سؤال المتضرِّرين من هذه العودة، فمنذ إسقاط حكومته حين كان مجتمعاً مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وصولاً إلى إبتهاج خصومه بمغادرته لبنان وبقائه خارجاً طوال هذه الأعوام التي كانت قاسية عليه بمقدار ما كانت مريحة لهؤلاء الخصوم، الذين كانوا يتلهون بالسياسة ويعتبرون أنَّ الملعب ملعبهم. قرابة الأربعة أعوام مرَّت على هذه الحالة:

تخبيصٌ في السياسة، فوضى في معالجة الملفات، الناس يشعرون بأنَّ لا مرجعية لهم، معظم الملفات بقيت متراكمة وإذا تمت معالجة أحدها فليس وفق معايير علمية.

وصل الرئيس سعد الحريري، فوجد كلِّ هذه الفوضى السياسية وغير السياسية، سأل نفسه مع معاونيه:

من أين البداية؟

كاد الناس أن يحددوا له البداية من خلال طلب المواعيد ومواضيعها:

أولاً، ملفُّ العسكريين المخطوفين وإيجاد الحل بأقصى سرعة.

هذا يطلب ضغطاً على مؤسسة كهرباء لبنان لمعالجة معضلة الكهرباء في بيروت وضواحيها، وخاصةً الحازمية، المنارة من دون كهرباء منذ أسابيع. ذاك يطلب مساعدةً هي عبارة عن مولِّد كهرباء لمنطقةِ نائية في البقاع، آخرٌ يطلب مدير مدرسة رسمية باعتبار أنَّ إحدى المدراس تفتقر إلى تعيين مدير، رابع يريد مساعدة إستشفائية.

وتتدرَّج الطلبات صعوداً وصولاً إلى مطالب سياسية معيَّنة وتحديداً رئاسة الجمهورية.

يدرك الرئيس سعد الحريري أنَّ يداً واحدة لا تصفق، لكنَّ الغياب القسري لقرابة الأربع سنوات جعله يجد نفسه في موقع العمل على ملء فراغ هذه المدة، التي تُقاس بالسنوات بمدةٍ تُقاس بالأيام، وهذا ما جعله يصل أيامه بلياليه تعويضاً عن كلِّ ما فات.

لكنه يعرف قبل غيره وأكثر من غيره، أنَّ التعويض الحقيقي هو في إعادة إنتاج السلطة وفي ما عدا ذلك تأجيل وترقيع لا يوصل إلى النتائج الناجحة والناجعة.