السؤال عن موعد المعركة المصيرية في سلسلة جبال لبنان الشرقية، هو الطاغي في هذه الأيام على كل منطقة ​البقاع​، لا سيما أن التوقعات بحصولها مع بداية فصل الربيع بدأت منذ أشهر، نظراً إلى أن المجموعات الإرهابية المسلحة، المتمركزة هناك، من غير المتوقع أن تبقى في مواقعها طويلاً، وستبحث عن أي مخرج لها من أجل الحصول على الإمدادات، سواء كان ذلك باتجاه الأراضي السورية أو اللبنانية.

في هذه الآونة، الكل يتحدث عن التحضيرات، أغلب أبناء القرى والبلدات، خصوصاً الحدودية منها، تحولوا إلى محللين إستراتيجيين وخبراء عسكريين. الجميع هنا بات يستشعر الخطر المتواجد بالقرب منه، حيث هناك إرهابيون جرائمهم تثير الذعر في جميع أنحاء المعمورة، وبالتالي لا يمكن البقاء مكتوفي الأيدي، على الرغم من أنّهم ارهابيّون من ورق.

لدى دخول أغلب القرى والبلدات الحدودية، هناك لازمات تتكرر على كل الألسن، "نحن خلف الجيش الضامن الوحيد لنا"، "سنقف معه لنكون السند في أي معركة"، "على عناصر وضباط المؤسسة العسكرية أن يطمئنوا لأن ظهرهم محمي"، "المعركة وجودية ونريد الإنتهاء من هذه الحالة".

وبالرغم من كل الهواجس، التي يشعر بها البعيد عن المنطقة، ليس هناك من مكان للخوف في صفوف سكّانها، فخيار الهروب أو عدم المواجهة ليس وارداً، حيث مشاهد ما حصل في بعض المدن العراقية والسورية حاضرة في الأذهان.

ما لا يتوقعه البعض، تكشف عنه مصادر مطلعة، لـ"النشرة"، إحتمال الذهاب نحو مواجهة إستباقيّة وارد بقوّة، لا سيما أن المعلومات لدى المعنيين تشير إلى أن المسلحين يتحضرون لخيار القيام بهجوم خاطف، وتذكر بالمعركة التي قام بها الجيش في رأس بعلبك قبل فترة قصيرة، حيث تمكن من السيطرة على تلال إستراتيجية حسّنت كثيراً من وضعه، وترى أن التقدم نحو نقاط أخرى أكثر من مفيد.

ترفض هذه المصادر الحديث عن موعد قريب أو بعيد، لكنها تشدد على أن موازين القوى باتت تميل إلى الجانب اللبناني، خصوصاً بعد التعزيزات التي قام بها الجيش، بالإضافة إلى وصول أسلحة نوعية مفيدة في هذه المعركة، إلا أنها تلمح إلى أن الأيام أو الأسابيع المقبلة قد تكون حامية نوعاً ما.

على صعيد متصل، توضح مصادر محلية متابعة، لـ"النشرة"، أن الإحتمالات أمام المسلحين أصبحت ضيّقة جداً، لا بل هي تذهب إلى القول أنهم باتوا أمام إحتمالين رئيسيين: المواجهة حتى الموت في معركة خاسرة، أو الإستسلام إلى السلطات اللبنانية أو السورية، وتشير إلى أن ذهابهم بأي إتجاه أمر صعب، خصوصاً في ظل التعزيزات الموجودة على جانبي الحدود، وتستبعد المعلومات التي تحدثت في اليومين الماضيين عن إخلاء عناصر تنظيم "داعش" مواقعهم.

وفي حين لا تزال الدعوات إلى التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري قائمة، تشدد هذه المصادر على أن هذا الأمر يحصل، لكنها لا تنفي أن تعزيز ذلك ضروري، خصوصاً مع وجود عدو مشترك في مكان تتداخل فيه الأراضي الحدودية على نحو كبير، وتضيف: "أكثر من 80 دولة تتّحد في تحالف دولي وعربي لمواجهة الخطر البعيد نسبياً عنها، وبالتالي لا يجب أن يكون هناك عائق لتفعيل التنسيق مع الجانب السوري، خصوصاً في ظل المعلومات عن تنسيق جهات غربية مع الحكومة السورية".

من وجهة نظر المصادر المحلية، الأهم في هذه المعركة هو الإجماع الشعبي، الذي بات يتعاظم من معركة عرسال الأولى حول المؤسسة العسكرية، وبالتالي نصف الإنتصار تحقق، حيث لم يعد الحديث عن وجود بيئات حاضنة كبيرة ممكناً، وترى أن مناخ الحوارات القائم بين أكثر من جهة على الساحة اللبنانية، لا سيما بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" ساعد كثيراً على هذا الصعيد، وقد ترجم بشكل أساسي في الدعوات إلى مواجهة الإرهاب ووضع إستراتيجية وطنية له.

وفي هذا الإطار، تذكر المصادر بخطابي رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في ذكرى إغتيال والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة، حيث كانت المواقف حاسمة بالنسبة لدعم المؤسسة العسكرية ومواجهة الخطر الداهم، من دون الدخول في الأسباب الخلافية.

في ظل هذه المواقف الحاسمة بالإنتصار عسكرياً، لا تخفي أوساط مطلعة، لـ"النشرة"، مخاوفها من حصول تطورات على الصعيد الأمني، بالرغم من تأكيدها أن الأجهزة الأمنية تتابع هذا الموضوع بشكل دقيق، حيث تلفت إلى أن بعض التوقيفات أثبتت أن هناك عناصر إرهابية عملت على الإنتقال إلى الداخل اللبناني عبر هويات مزوّرة.

في المحصلة، جميع الأجواء توحي في المرحلة الراهنة بوجود معركة كبيرة قريباً، إستباقية كانت أو رداً على تحرك جماعات إرهابية، لكن التصميم على الإنتصار، مهما كان الثمن، هو الأمر الأكثر وضوحاً، ومن يعرف طبيعة أبناء البقاع يدرك ذلك جيداً.