بدون شك ان احداث اليمن اتت في سياق الصراع السعودي والإيراني المتصاعدة وتيرته في المنطقة، إلا ان هذه الاحداث اتت في غير التوقيت الملائم لحوار حزب الله والمستقبل والذي انتج تفاهمات كثيرة والقى بظلاله على الواقع السياسي ومنح القوى الامنية والجيش المكلفان حماية الوطن من الارهاب المتسلل الى عقر الدار اللبناني المظلة الآمنة من خطر التكفيريين المتربصين شراً بالداخل مما طرح تساؤلات عن مستوى الحماية وامكان صمود الحوار في وجه العاصفة التي هبت من اليمن وقد تتوسع وتتمدد ويمكن ان تتحول الى عملية برية وبحرية مفتوحة على كل الاحتمالات.

صحيح ان كلام الحريري لم يكن في الحسبان بالنسبة الى الكثير من متابعي جلسات الحوار في ضفة 8 آذار، ولكن فريقاً آخر من المراقبين يعتبر ان زعيم المستقبل لا يمكن ان يقول اقل ما قاله لعدة اعتبارات منها ما يتصل بعلاقته بالسعودية ومنها ما يتعلق برد الاعتبار الداخلي خصوصاً وان جزءاً اساسياً من فريق 14 آذار ليس مرتاحاً لمسار الحوار القائم بين حزب الله والمستقبل ويعارضه بقوة، وبالتالي فان الحريري يجد نفسه في كل مرة مضطراً ليعلي من سقف خطابه بين الوقت والآخر لكي لا يبدو منسحقاً امام جمهوره في الحوار مع حزب الله وهو بالتالي يقيم توازناً في كل مرة بين انغماسه بحوار الضرورة وبين استمراره في معارضة نهج حزب الله واستراتيجيته العسكرية والقتالية في سوريا.

المهم ان الحدث اليمني احدث انقساماً عامودياً جديداً واعاد ترسيم الحدود بين المتقاتلين وفي محوري 8 و14 آذار، بعد ان سارع المحور الاول الى التنديد بالعملية ووضعها في خانة العدوان والعار فيما منحها محور 14 آذار صك البراءة المطلوب وايدها بقوة وهو الذي كان ينتظرها منذ فترة لتعويض خسائره في العراق وفي سوريا. إلا ان سقوط الحوار نهائياً يبدو مستبعداً لاعتبارات تتعلق بحماية وتحصين الوضع الداخلي، لكن الحوار سيكون من دون شك متأثراً بالمنعطف الإقليمي الذي بلغ حده الأقصى مع حرب اليمن، وبالتالي سيكون على المختلفين والمتحاورين في الداخل اللبناني بذل اقصى الجهود للمحافظة على الاستقرار على الساحة اللبنانية.

وتماماً كما حدث بعد خطاب «البيال» و«مجمع الشهداء »وشهادات المحكمة الدولية وعودة ممثلو حزب الله والمستقبل الى طاولة الحوار وكأن ما حدث لم يحدث وما قيل لم يقال بعد ان حقق كل من الطرفين مرادهما شعبوياً واثبتا ان كل فريق باق على ثوابته وخياراته تقول اوساط متابعة، ولكنهما مضطران او ملزمان بالتفاهم في حدوده القصوى درءاً للخطر المتربص بلبنان بعدما ثبت ان لكل فريق في الداخل مصلحته الخاصة في ابعاد شبح الارهاب، فحزب الله الذي يخوض معركته في سوريا منذ سنتين من اجل عدم انتقالها سريعاً الى لبنان او عوضاً عنها في لبنان، ومن جهة المستقبل فان القيادة السياسية للمستقبل باتت على قناعة بان ارهاب «داعش» لن يتثني الساحة السنية تماماً كما حصل في الدول المجاورة التي تفرض فيها الشريعة واحكامها على كل المسلمين وبعد ان كادت تنفجر البيئة السنية في تجربة عرسال وطرابلس.

يرى المتابعون لمجريات الحوار انه مر دائماً بظروف ومطبات هوائية صعبة ولكنه دائما كان ينتهي بعودة المتحاورين الى الطاولة بمعادلة «لا غالب ولا مغلوب»، بتغليب على الارجح هو لمصلحة الوطن وذلك بعد استعراض كل فريق لقواه وعضلاته في وجه الآخر الشريك على طاولة الحوار .

ذات يوم قرر سعد الحريري ان التطرف السني لا مكان له في قاموس المستقبل، وبالتالي، فان المرحلة المقبلة مخصصة لمواجهة الخطر التكفيري ولا مكان للأسير او لشادي المولوي ولأي ارهابي في البيئة المستقبلية ولا حماية او غطاء لهؤلاء بعد عملية سجن رومية. وحزب الله من جهته اكد عبر خطاب امينه العام انه متفهم للخطاب الآخر وقادر على استيعاب حاجة هذا الفريق لاعادة شحن طاقته التي اصابها الوهن والضمور، ولا ضرر في ذلك طالما ان المشروع المستقبلي بات على المقلب نفسه الذي يسعى الى تحصين الساحة الداخلية لمواجهة الارهاب بعدما اعلنها سعد الحريري حرباً على الارهاب تاركاً امر العمليات والقيادة الميدانية لحزب الله، وامر العمليات هذا يريح في الصميم الحريري الذي لا يجاهر به كما يطمئن حزب الله بان الخاصرة السنية ليست رخوة او معرضة لاختراقات. والسؤال هل يستمر الفريقان ويكملا ما بدآه في كانون الثاني الماضي او هل تطيح حرب اليمن بكل المتاريس التي بناها الحريري ونصرالله ؟

ثمة من يعطي تبريرات للحريري نفسه ولا يدين ايضاً حزب الله بل يؤيد خطاب السيد الذي وضع الاصبع على الجرح في المعركة التي شنها العرب على اليمن، وثمة من يرى ان الوضع الاقليمي بات هو المعضلة وهو الذي سيقف حجر عثرة في انطلاقة تشبه الانطلاقة الاولى للحوار، وفي كلتا الحالتين يبقى انتظار التطورات الميدانية في اليمن والمنطقة للبناء على استمرار الحوار.