تتسارع التطوّرات السياسيّة والعسكريّة في اليمن يوماً بعد يوم، وجديدها في الأيّام القليلة الماضية تبنّي مجلس الأمن قراراً أعدّته دُول الخليج وقدّمه الأردن، وهو لا يصبّ إطلاقاً في صالح جماعة "أنصار الله" ولا المجموعات العسكريّة النظاميّة المُوالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ونجله(1). وعلى الرغم من أنّ القرار المذكور دعا أطراف النزاع كافة إلى التفاوض في أسرع وقت ممكن للتوصّل إلى وقف سريع للنار، كان لافتاً أنّه لم يطلب من دول "التحالف" بقيادة السعودية وقف الغارات الجويّة المُستمرّة منذ 26 آذار الماضي، بينما طلب من الحوثيّين وقف العمليّات العسكريّة على الفور ومن دون شروط. وقد ترافق القرار الدولي مع إعلان السعودية التي تقود المعركة في اليمن، وإثر زيارة وزير دفاعها محمد بن سلمان إلى مصر، عن مُناورات عسكريّة عربيّة ضخمة ستجري قريباً على الأراضي السعوديّة، في الوقت الذي تكاثرت فيه الإشاعات بشأن مُشاركة قوّات برّية مصريّة في المعارك في اليمن. وعُلم أنّ المحادثات السعودية-المصريّة الأخيرة تركّزت بشأن سُبل تسريع تدريب وتسليح القوّات النظامية والميليشيات الشعبيّة المواليتين للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والتي تُعتبر حالياً البديل الوحيد المُتوفّر للإنتشار الميداني، في ظلّ إمتناع أكثر من طرف عن إرسال قوّات برّية إلى اليمن(2).

لكنّ أوساطاً دبلوماسية في مجلس الأمن قلّلت من تأثير هذه القرارات الدَوليّة–على أهمّيتها، على قُدرات الحَوثيّين المَيدانيّة، مُعتبرة أنّ هذه القرارات هي ذات تأثير معنوي ولا مجال لترجمتها ميدانياً بشكل سريع وحاسم. وأضافت هذه الأوساط أنّ الكلمة الفصل تبقى للميدان حيث المعارك لا تزال بين كرّ وفرّ، مع إستمرار سيطرة الحوثيّين ومن يدعمهم من قوات الرئيس السابق صالح، على مساحات واسعة من الأراضي اليمنيّة، في مقابل تقاسم السيطرة على ما تبقّى من أراض بين بعض القوى والقبائل والميليشيات الشعبيّة المواليّة للرئيس هادي من جهة وجماعات محسوبة على تنظيم "القاعدة" الإرهابي من جهة أخرى. وحتى الساعة لم تفقد جماعة "أنصار الله" قدراتها الدفاعيّة، وإن كانت قدراتها الهجوميّة قد تراجعت كثيراً، وتضرّرت أنظمة إتصالاتها، إضافة إلى تدمير كبير لحق بالبنى التحتيّة العسكرية في اليمن من مطارات وثكنات ومخازن ذخيرة، إلخ.

ومع إستمرار المعارك، كان لافتاً بدء ظاهرة إعلان وحدات من الجيش اليمني النظامي ولاءها للشرعيّة اليمنيّة مُمثّلة بالرئيس هادي المُتواجد منذ مدّة في الرياض، بعد أن كانت محسوبة على الرئيس السابق صالح أو تتخذ موقفاً حيادياً من المعارك منذ أشهر طويلة، وذلك لأسباب مختلفة منها عدم دفع رواتب الشهر الماضي، والخوف من التطورات السريعة، وتردّد إشاعات عن قرب هروب صالح ونجله، إلخ. ومن شأن هذا الأمر في حال إستمراره أن يُساهم بشكل أكيد في تعزيز القدرات القتالية للقوى التي تواجه مُقاتلي "أنصار الله" على الأرض، وربما في قلب مُجريات المعركة اليمنيّة ككل، بحسب خبراء عسكريّين مُتابعين لمُجريات المعارك في اليمن.

وبحسب كل المعلومات الواردة من اليمن والسعودية، لا تحضيرات حتى اليوم لأيّ هجوم برّي وشيك، حيث أنّ من المُتوقّع رفع مُستوى الضغط العسكري لتعزيز الموقع التفاوضي السياسي. ولا شك أنّه في حال إستمرار الضربات الصاروخيّة، وإستمرار الحصار الذي تعزّز مع تعزيز الإجراءات الأميركيّة في هذا المجال(3)، فإنّ قدرات الحوثيّين القتالية مُرشّحة للتراجع تدريجاً، ما سيضعف تلقائياً موقعهم التفاوضي. وتوقّع خبراء غربيّون أن تساهم الإجراءات الأميركيّة في تعزيز الحظر الذي تفرضه قطع بحريّة حربيّة عربيّة على الموانئ اليمنيّة، وأن ترفع مستوى دقّة الضربات الجويّة التي تُنفّذها طائرات "التحالف العربي"، وأن تجعل أيّ تدخّل بحري ​إيران​ي أكثر صعوبة وخطورة أيضاً.

وبحسب أوساط أميركيّة مُطلعة إنّ خوف الجهات المُعارضة لعمليّة "عاصفة الحزم" يتجاوز مصالح هذه الجهات السياسيّة والأمنية والإقتصادية في اليمن، ويصل إلى سوريا، حيث تُوجد خشية من أن يتمّ تعميم تجربة التدخّل العسكري العربي في اليمن، في حال نجاحها، في الأراضي السورية في المُستقبل، خاصة وأنّ تركيا تملك القدرة على التدخّل البرّي في حال نالت الغطاء السياسي والدعم المالي و"الضوء الأخضر" لذلك. ورأت هذه الأوساط أنّ مُقوّمات تحقيق هذا "السيناريو" بعيدة جداً حالياً، لكن الأكيد أنّ جهوداً عربيّة-عربيّة وأخرى عربيّة-تُركيّة تُبذل في هذا الإتجاه الذي قد يُصبح خياراً جدّياً في حال نجحت التجربة في اليمن، وفي حال تمّ تذليل التباينات بين السعودية وتركيا. من هنا، ختمت هذه الأوساط، تأخذ معركة اليمن أهمّية مُضاعفة من قبل أكثر من طرف، كونها قد تُحدّد مُستقبل منطقة الشرق الأوسط ككل. ولا شك أنّ لا السعودية ولا إيران، مستعدّتان لتليين موقفهما بسهولة من الأزمة الحالية.

(1)دعا قرار مجلس الأمن جماعة "أنصار الله" إلى الإنسحاب من المناطق التي سيطروا عليها، وفرض عليهم وعلى حلفائهم عقوبات مختلفة من بينها الحظر على إستيراد الأسلحة.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ 14 عضواً من أصل 15 عضواً في المجلس صوّتوا لصالح القرار من دون أن يُعارضه أحد، حيث إكتفت روسيا بالإمتناع عن التصويت فقط، الأمر الذي سمح بتمرير القرار.

(2)تحفّطت أكثر من دولة، منها باكستان وتركيا، عن إرسال قوّات برّية لدعم المعركة في اليمن، كلّ لأسباب مختلفة، منها مُرتبط بدقّة الأوضاع السياسيّة والطائفيّة الداخليّة في الدول المعنيّة، ومنها مُرتبط بأسباب إقتصاديّة وماليّة، ومنها مُرتبط بالخوف من التورّط في مواجهة مباشرة مع إيران في حال تدهور الأمور في مرحلة لاحقة.

(3)قرّرت واشنطن رفع مستوى دعمها الميداني لعمليّة "عاصفة الحزم"، وذلك عبر مدّ الطائرات التي تُنفّذ الغارات في اليمن بلوائح أهداف عسكريّة، وعبر إستخدام طائرات من طراز KC 135 لتزويد الطائرات العربيّة بالوقود في الجوّ، وكذلك عبر المُساهمة في عمليّات تفتيش السفن التي تتوّجه إلى الشواطئ اليمنيّة لمنع نقل أيّ أسلحة لمُعارضي الرئيس اليمني.