منذ 7 أشهر وحزب الكتلة الوطنية في سبات. غابت الاجتماعات، وكذلك البيانات والمواقف من التطورات الكثيرة التي تعصف بالبلد والمنطقة. منذ تأسيسه في العام 1947 لم يغب الحزب عن أي حدث سياسي، حتى في الحروب التي شهدها لبنان، لم تتوقف بياناته، ولا الآراء في كل القضايا. لكن أين حزب الكتلة اليوم؟ ولماذا هذا الغياب؟

في العام 2005، اختار حزب الكتلة السير في خط قوى 14 آذار، التي اعتبرها أقرب الى مواقفه وتطلعاته التي دأب على المجاهرة بها. لكن اتفاق الدوحة العام 2008 وعدم رضا الحزب عنه وتحذيره الحلفاء منه فرضت عليه الخروج من تحالف 14 آذار والبقاء على الحياد. مع ذلك، بقي الحزب موجوداً، يجتمع دورياً وينتقد أو يؤيد بعض السياسات والحوادث والقضايا.

لكن منذ 7 أشهر، غاب كلياً عن الساحة السياسية، اذ أصدر عميده كارلوس اده قراراً يقضي بتعديل النظام الداخلي وتقليص عدد أعضاء مجلس الحزب من 60 الى 30 عضواً، والى تغيير اللجنة التنفيذية، فتوقفت ماكينة حزب الكتلة. سبب هذا القرار ليس خلافياً، بل البقاء خارج الحلبة السياسية والابتعاد من المشهد السياسي في ظل الاوضاع في لبنان والمنطقة. رغم ذلك، يؤكد مصدر قيادي رفيع في الحزب ان الكتلة لم تغيّر مواقفها التاريخية منذ تأسيسها وأبرزها: تأييدها للعلمنة ودولة الحق والقانون والمؤسسات ورفض الميليشيات المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية... لكن في موجة الطائفية والمذهبية المتشنجة اليوم، ومع الخوف والتخويف اللذين نشعر بهما في المجتمع اللبناني، كان القرار ان السياسة المتبعة حالياً فرضت الغياب على حزب الكتلة، وعندما تتغيّر الظروف السياسية وتعود كما كانت في السابق، سيعود الحزب بكامل نشاطه الى الساحة السياسية. فالحزب اختار الانكفاء على الهجوم، ويشدد القيادي على ان الصدقية التي يتحلى بها الحزب تقضي "بألا نتكلم لمجرد الكلام فقط، وخصوصاً اننا لن نغيّر مبادئنا التي نؤمن بها".

في الحزب ثمة من يؤمن بوجود حلّين لهذا الأمر، اما تكرار المواقف التاريخية في ظل شعور انه ما من أحد يريد سماعها اليوم، اذ لم يعد التكرار جيداً في نظر الرأي العام، وبالتالي لم يعد الحزب شعبوياً. أو الحلّ الثاني ويقضي بتغيير اللهجة والخطاب والمواقف لتتماشى مع السائد حالياً، وبالتالي لتصبح المواقف مقبولة أكثر من الرأي العام، وهذا ما لا يريده عدد كبير من الكتلويين الذين ما زالوا يحافظون على المبادىء والقيم القديمة.

علماً ان ثمة شبه اقتناع بأن مواقف حزب الكتلة غير شعبوية، بطريقة او بأخرى، لأنها لا تتوجه الى غريزة الجمهور بل تعتمد على العقلانية. "لكن للأسف العقلانية لم تعد تحمّس ولا تثير الرأي العام. كان يمكن ان نكون شعبويين أكثر، لكن صدقيتنا على المحك"، وفق القيادي عينه. وبين جمع الشعبية على حساب الوطن والبقاء صامتين على تغيير الجلدة والمواقف، كان الخيار الثاني.

يجزم القيادي الرفيع بانه لم تعد توجد سياسة في لبنان، حتى الأحزاب الكبيرة تنتظر القرارات من الخارج. أما الاحزاب المستقلة، كالكتلة، التي لا تأخذ المال السياسي من دول أجنبية، فتجد صعوبة في تمرير أفكارها، اضافة الى تأكيده ان وسائل المنافسة مع بقية الأحزاب غير متوازنة وغير متكافئة بسبب المال السياسي.

لا شك في ان ثمة كتلويين شعروا بالاحباط بسبب المواقف التي اتخذها الحزب وبقي عليها ولا أحد يستطيع تطبيقها في الوقت الحاضر، وهذا أمر طبيعي اذ انهم خسروا فرصاً كثيرة في الوصول الى مراكز ما. لكن من ناحية أخرى، ثمة مجموعة أخرى من المحازبين رفضت المراكز على حساب مبادىء الحزب، وهي تشدد على ان شعار حزب الكتلة هو الصدقية، وإذا لم يستطع الكتلويون الاستمرار في الخط الذي ضحّوا لأجله، فليحافظوا على الأقل على ما حققه الحزب في السياسة الى الآن، في انتظار العودة الى ما كانت الأمور عليه في السابق. بمعنى آخر، الابتعاد والصمت خير الكلام، اذ ان السكوت أفضل وسيلة للمحافظة على الحزب وما حققه منذ تأسيسه الى الآن.