في خضم الازمات التي تعصف بالدول العربية ووسط تسارع الاحداث الدولية على اكثر من صعيد ولعل ابرزها وضع اللمسات النهائية على الاتفاق النووي الايراني، والتغييرات الجذرية التي شهدتها السعودية اخيراً، بقي لبنان في حالة الترقب وهو ينتظر ما ستسفر عنه الانشطة والتحركات، لمعرفة ما ينتظره.

وبعيداً عن همّ النووي الايراني، و"ضياع" الوضع الميداني في سوريا، و"طبخات" التسوية التي يتصاعد دخانها في الخليج، وهي امور ترخي بظلالها على الوضع اللبناني حتماً، كان لا بد من معرفة كيفية التعاطي اللبناني مع استحقاقات واحداث لا يمكن اغفالها.

ومع الاقتراب من الذكرى السنوية الاولى لتولي الفراغ مقاليد الحكم في قصر بعبدا، لا يبدو ان في الافق ما يقلق "فخامة الرئيس الحالي" المطمئن الى وضعه وغير القلق من الكلام عن تحرك فرنسي او فاتيكاني او حتى دولي من اجل الاطاحة به والمجيء برئيس جديد.

وبما ان اصابع الاتهام موجهة الى فريق 8 آذار بتعطيل الانتخابات، دافعت مصادر معنية بالملف في هذه القوى، عن قرار السير بالعماد ميشال عون للرئاسة، واكدت ان العائق في انتخاب الرئيس ليس محلياً، بل هو موضوع في الثلاجة، وتحديداً في ثلاجة الهموم الدولية وان مرتبته للاسف، متأخرة بعض الشيء عن مرتبة مشاكل المنطقة ومنها على سبيل المثال الوضع في سوريا.

ولفتت المصادر نفسها الى ان الازمة السورية تحتل بدورها مرتبة غير متقدمة في الاهتمام حالياً، فكم بالحري الهمّ الرئاسي اللبناني؟ اما بالنسبة الى الخيارات الممكنة، فقد اعادت المصادر التشديد على السير بالعماد عون حتى النهاية، وبطبيعة الحال ستسير بمن يسميه ايضاً اذا ارتأى ان ينسحب.

ودفاعاً عن قوى 8 آذار، استغربت المصادر عدم قبول قوى 14 آذار بالسير بالعماد عون، وكشفت ان هذا القرار خاطىء تماماً لان هذه القوى تدرك تماماً ان رئيس تكتل التغيير والاصلاح قادر على اعطائها مكاسب لا يمكن ان يعطيها لها غيره، وهي فرصة قد لا تتكرر لان ما يصح مع العماد عون بالنسبة الى هذه القوى قد لا يصح مع غيره، وهو اثبت قدرته على التواصل مع الجميع بمن فيهم "الصقور" في قوى 14 آذار.

وفي ما خص التعيينات بالنسبة الى القادة العسكريين، فقد اعربت المصادر عن تأييدها للمبدأ الذي يسير به العماد عون لجهة ان التعيين هو القاعدة وليس التمديد، وان السوابق التي حصلت بالنسبة الى تعيينات اقرها مجلس الوزراء يمكن ان تفتح الباب امام تعيين قادة امنيين وعسكريين جدداً. ولكن المصادر لم تشأ الخوض في تفاصيل خطواتها اذا ما اتخذ العماد عون قرارات تصعيدية عالية، مكتفية بالقول انها ستترقب ما سيقوم به الجنرال لتتخذ بعدها قرارها.

وألمحت المصادر الى أن الجنرال يحتفظ بورقة في جعبته سيلعبها اذا ما بادرت الحكومة الى تبني التمديد، دون ان تفصح عن ماهية هذه الورقة ولا ما اذا كانت متصلة ايضاً بالانتخابات الرئاسية، ولكنها اكدت ان الخطوة التي سيقوم بها العماد عون ستكون مهمة شكلاً ومضموناً.

ووفق هذا الكلام، فالاستنتاج القائم هو ان العلاقة بين العماد عون وقوى 8 آذار لا تزال على ما يرام رغم ما يتردد ويحصل، وان الاستمرار في دعمه للرئاسة دليل على ان ما قاله بالامس رئيس مجلس النواب نبيه بري صحيح اي ان الخلاف في الرأي لا يعني خلافاً في الاستراتيجية، وهو امر يمكن البناء عليه لمعرفة اتجاه هذه القوى بالنسبة الى الامور الاساسية، اما بالنسبة الى الامور الاخرى، ومنها التعيينات فإنها تحتاج على ما يبدو الى بعض الوقت لانها اكثر دقة. فلا يمكن جعل التمديد واقعاً يجب التسليم به، ولا يمكن من ناحية اخرى ترك المناصب القيادية دون من يتولاها فيما لا يمكن التوفيق بين الخيار الاخير وتأييد العماد عون في هذا الموضوع تحديداً.

اما الانتخابات الرئاسية فيبدو انها غير مدرجة على جدول اعمال الدول الكبرى، اقله في الوقت الراهن، وستبقى الاولوية في لبنان للاستقرار الامني ومنع تحوله الى بؤرة للارهابيين، في حين سيبقى السقف الموضوع بالنسبة الى الخلافات السياسية محافظاً على وضعه.