يعتبر شهر أيار الجاري محطة مهمة لرسم معالم المرحلة السياسية المقبلة على صعيد انتظام عمل مؤسسات الدولة، وربما بلورة آفاق ازمة الرئاسة... وما يقلق الرئيس بري ان الامور المتصلة بتسيير شؤون الدولة والمواطنين غير ميسّر حلها، بل تشهد مأزقاً حقيقياً من شأنه ان يؤدي الى مزيد من الاهتراء والتدهور.

فالمجلس النيابي معطّل بفعل قرار مقاطعة الجلسة التشريعية من قبل المكونات السياسية المسيحية الاساسية، والحكومة المحاصرة بشرط اجماع وزرائها او التوافق الكامل تكاد تكون مشلولة او «حكومة تصريف اعمال ممتازة». هذا عدا عن الازمة المستعصية حتى الان المتمثلة بغياب رئيس الجمهورية.

ووفق ما ينقله الزوار فان رئيس المجلس قام بواجبه في شأن السعي لعقد جلسة تشريعية قبل انتهاء الدورة العادية في نهاية أيار الجاري، والكرة في مرمى الفريق الذي اعلن المقاطعة لأسباب متنوعة. لكنه في الوقت نفسه نشط في الاسبوعين الماضيين للدفع باتجاه اقرار الموازنة في مجلس الوزراء، واتفق مع الرئيس سلام على تحقيق هذا الهدف من خلال عقد سلسلة جلسات للحكومة حتى اقرارها أكانت تضمن سلسلة الرتب والرواتب أم لا.

كما ساهم من خلال اتصالات ولقاءات قام بها بعيداً عن الاضواء في تحسين فرص حسم هذا الموضوع في مجلس الوزراء، واعطى توجيهاته في الوقت نفسه الى وزير المال بالسير في اي خيار يتم التوافق عليه في الحكومة، مع العلم ان اقرار مشروع الموازنة مع السلسلة يصيب عصفورين بحجر واحد.

ويبدي بري تفاؤلا في السير نحو اقرار هذه الموازنة المنتظرة منذ نحو عقد، لكنه لا يخفي حذره من حصول اي عرقلة في اي لحظة داخل مجلس الوزراء، مع العلم ان انجاز هذا الموضوع هو لمصلحة الجميع من دون استثناء، بل يعتبر انجازاً مهماً لحكومة سلام.

ولم يكتف الرئىس بري بذلك بل شجّع الحوار الذي يرعاه في عين التينة بين «حزب الله» و«المستقبل» على مناقشة وضع المجلس والحكومة الى جانب استكمال مقاربة موضوع رئاسة الجمهورية، ومتابعة الوضع الامني في كل وجوهه.

وتقول المعلومات ان المتحاورين في الجلسة الاخيرة كانوا متوافقين على الدفع باتجاه عقد جلسة تشريعة قبل نهاية هذا الشهر، وكذلك حسم واقرار الموازنة من قبل مجلس الوزراء على طريق اقرارها ايضاً في مجلس النواب.

وتضيف المعلومات ان هذا التوافق داخل الحوار يشكل رصيداً وزارياً ونيابياً كبيراً، ويوفر مناخا للسعي لدى الحلفاء المسيحيين للطرفين من اجل تذليل الصعوبات والعقوبات القائمة اكان على مستوى فتح باب التشريع تحت عنوان الضرورة او الافراج عن الموازنة.

والسؤال المطروح هل يشكل اقرار مجلس الوزراء للموازنة مفتاح باب التشريع قبل انتهاء نهاية هذا الشهر؟ الجواب يبقى عند المكونات المسيحية الاساسية وتحديداً عند التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية».

ووفقا للمعطيات المتوافرة فان التيار العوني منصرف بشكل اساسي الى ما يسميه معركة التعيينات العسكرية والامنية، وهو لا يوفر ولن يوفر اي سلاح سياسي او دستوري وقانوني، كما تعبّر اوساطه، الا وسيستخدمه للحيلولة دون الوصول الى خيار التمديد.

وحسب المعلومات فان التسوية التي جرى الحديث عنها مؤخراً بتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش والعميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي لم يتوافر لها حتى الآن الاجماع او التوافق في مجلس الوزراء، خصوصاً ان وزراء الرئيس السابق ميشال سليمان قادرون على تعطيل هذا المسار اذا ما استخدموا «الفيتو» الممنوح لهم بفعل الآلية المعتمدة داخل المجلس.

وتتحدث المعلومات عن ان التيار العوني مستعد للذهاب في هذه المعركة بكل الاوراق التي يملكها اكان على صعيد الاعتكاف والتوقف عن حضور جلسات مجلس الوزراء وبالتالي تعطيل العمل الحكومي وتحويل الحكومة الى حكومة تصريف اعمال، او على صعيد المضي في تعطيل التشريع وشل مجلس النواب.

اما «القوات اللبنانية» فهي لا تجاري التيار في معركة التعيينات، بل تقف ضمنا في مقلب آخر يصب لمصلحة التمديد، مستفيدة من عدم مشاركتها في الحكومة الامر الذي لا يشكل لها، اي احراج مع العماد عون في «موسم الحوار» القائم بينهما.

وتكتفي على جبهة التشريع باعلان شروط تشريع الضرورة المتشددة، فهي تربط حضورها الجلسة التشريعية بادراج الموازنة وقانون الانتخابات النيابية على جدول اعمالها، مع علمها المسبق ان قانون الانتخاب، الذي خضع لجولات وجولات من النقاش على مستوى اللجان النيابية على انواعها وخارجها ايضا. بقي التوافق عليه مستعصيا وما يزال.

وتحاول «القوات» ان تحرز نقطة في التجاذب المسيحي الخفي من خلال «التمسك بهذا المطلب بينما يصر التيار العوني من جهته ايضا على ادراج قانون الجنسية الذي لم تكتمل دراسته في اللجان، والمعلوم ان تيار المستقبل حليف «القوات» لا يرغب في وضع قانون الانتخابات على جدول الاعمال خصوصا ان «القانون الارثوذكسي» لا يزال قائما من بين الصيغ المطروحة.

وانطلاقاً من المعطيات القائمة حتى الان فان شرطي «القوات» والتيار العوني لفتح الباب امام التشريع يبقيان عقبة امام الجلسة التشريعية، بينما تحتاج التعيينات العسكرية والأمنية لتوافق فوق العادة.

ويبقى السؤال هل تحضر الحلول او التسويات السحرية خلال هذا الشهر أم ينتهي أيار الى مزيد من التأزم والاهتراء؟