منذ سُقوط الموصل في حزيران من العام 2014 الماضي بأيدي مُقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي تحوّل هذا الأخير إلى وضع دفاعي على أغلبيّة الجبهات في العراق وسوريا، لكنّه في الأيام والأسابيع القليلة الماضية، نجح في السيطرة على مدينة ​الرمادي​ العراقية. فما الذي حصل وما هي النتائج المُحقّقة، وهل سيتواصل تمدّد "داعش" من جديد، وما هي التحضيرات للهجوم المضاد في الرمادي؟

بالنسبة إلى أبرز أسباب سقوط مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، لتُصبح ثاني مركز محافظة يقع بيد التنظيم بعد مدينة الموصل مركز محافظة نينوي، فأبرزها:

أوّلاً: إنّ مُعدّل الضربات الجويّة لقوات التحالف الدَولي لا يتجاوز حالياً 15 غارة في اليوم الواحد في مختلف أنحاء العراق(1)، علماً أنّ مُسلّحي "داعش" تأقلموا معها وصاروا قادرين على الحدّ من الخسائر التي تُسبّبها.

ثانياً: إنّ قرار قائد عمليّات محافظة الأنبار، اللواء الركن محمد خلف، الإنسحاب من مركز القيادة في الرمادي، إثر إشتداد هجوم مُسلّحي "داعش"، أثّر سلباً على معنويات الوحدات القتالية التي تراجعت من دون قتال يُذكر ككرة ثلج متدحرجة في تكرار لسيناريو سقوط الموصل قبل أقلّ من عام بقليل.

ثالثاً: إنّ الخلل الموجود على مستوى القرار السياسي العراقي، وغياب الحزم وسرعة التحرّك، إنعكس ضعفاً في السيطرة والتخطيط للجيش العراقي وتراجعاً للروح القتالية لأفراده.

رابعاً: إنّ وجود بيئة سنّية غير معادية بكاملها لمُسلّحي "داعش" في الرمادي(2)لعب دوراً مؤثّراً في مجريات المعركة، حيث أنّ الكثير من السكّان يَعتبرون مُقاتلي "الحشد الشعبي" التي تتكوّن أغلبيّة وحداتها من عراقيّين شيعة، أسوأ من "داعش"!

خامساً: إنّ فشل الجيش المُختلط الذي حاولت السلطات العراقية تشكيله في إثبات حضوره الميداني(3)، لصالح تنامي نفوذ الميليشات الشيعيّة المُسلّحة المدعومة من إيران، أدّى إلى فرار الكثير من العسكريّين من دون قتال فعلي.

في المقابل، تُوجد نظريّة تقول إنّ وراء سحب الجيش العراقي من الرمادي خطّة متعمّدة، تأتي إستكمالاً لرفض تسليح العشائر السنية كما يجب، بذريعة الخوف من إنقلابهم على السلطة المركزيّة، وذلك بهدف إظهار "الحشد الشعبي" بموقع المُنقذ الأخير والأساسي، وإفساحاً في المجال أمام وصول النفوذ الإيراني الممثّل في هذه الميليشيات المذهبيّة، إلى الحدود مع المملكة العربيّة السعودية عند إعادة السيطرة على محافظة الأنبار ككل مُستقبلاً، كما هو متوقّع في الهجوم المعاكس، لتُمسك طهران عندها بورقة ضاغطة مهمّة.

وبالنسبة إلى الحديث العراقي عن تحضيرات لهجوم معاكس لإسترداد الرمادي ومنع تهاوي كامل محافظة الأنبار، فهو جدّي، حيث قرّرت الحكومة العراقية تقديم معركة إسترداد الرمادي وكذلك معارك محافظة الأنبار على معركة إسترداد المُوصل ومعارك محافظة نينوي. وبعد أنّ تجمّعت القوات العراقية التي إنسحبت من الرمادي في منطقة النخيب جنوب محافظة الأنبار، أمر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي "الحشد الشعبي" بالإستعداد للمشاركة في عمليّات تحرير المحافظة، وبالفعل وصل نحو ثلاثة آلاف عنصر حتى اليوم إلى المحافظة للمشاركة في الهجوم المضاد المنوي تنفيذه. وأبرز الأسباب التي تُحتّم حصول الهجوم المضاد، هي:

أوّلاً: لا يُمكن السماح لتنظيم "داعش" بالقيام بردّ معنوي على خسارته مدينة تكريت، حتى لا يعود إلى الوضعيّة الهجومية بعد أن كان في وضع دفاعي في العراق منذ قرابة العام الكامل.

ثانياً: لا يُمكن السماح بسقوط محافظة الأنبار التي هي أكبر محافظة في العراق، كونها قريبة من بغداد، كما أنّها تتواصل جغرافياً مع البادية التدمرية ومع مناطق عمق تواجد مُسلّحي "داعش" في وسط سوريا وفي شرقها.

ثالثاً: وجود تحضيرات ميدانية لهجوم مضاد من قبل كل من الجيش العراقي وخاصة وحدات النخبة المتمثّلة بما يُسمّى "الفرقة الذهبيّة"، وبعض مقاتلي العشائر(4)وميليشيات "الحشد الشعبي"، وكذلك مقاتلين من منظمة "بدر" الشيعية العراقية، علماً أنّ الولايات المتحدة الأميركية وافقت على توفير المؤازرة الجويّة المطلوبة لأي هجوم، شرط أن تكون قوات "الحشد الشعبي" بأمرة رئيس الوزراء العراقي، بينما طالبها مسؤولو "الحشد" بعدم التدخّل.

وبالتالي، من المُستبعد أن يتمكّن مُسلّحو تنظيم "داعش" من مواصلة تمدّدهم أكثر، حيث أنّ القوى العراقية النظامية والميليشياوية التي جرى إستقدامها بسرعة ستحول دون حصول ذلك، علماً أنّ التحليلات تُشير إلى أنّ الهجوم المضاد سيبدأ في غضون أيّام أو أسابيع قليلة على أبعد تقدير.

في الختام، وبغض النظر عن الأسباب والخلفيّات، الأكيد أنّ المعركة أبعد من مدينة الرمادي التي تعرّضت للتدمير، وهي تتمثّل في رسم خرائط التقسيم المُستقبلي للعراق، ومحاولات كل طرف تعزيز إنتشاره الميداني قبل حلول موعد التسويات الكبرى بناء على موازين القوى الميدانية. وليس صدفة أن نشهد توافد كل من قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال لودي أوستن، ووزير الدفاع الإيراني حسين دهقان إلى بغداد حيث إلتقيا كبار المسؤولين بفارق ساعات قليلة، حيث أنّ كلاً من واشنطن وطهران تسعى لأن يكون لها كلمة أساسيّة في مُستقبل العراق الذي يُكتب بالدم، ويبدو أنّ سياسة النفوذ الإيراني هي الآخذة بالتوسّع والتمدّد على حساب تقلّص الدور الأميركي الذي كان له الكلمة الفصل في قلب موازين القوى في العراق عندما قرّرت الإدارة الأميركية إطاحة حكم الدكتاتور صدام حسين بالقوة العسكريّة.

(1)بلغ عدد الغارات الأميركية ضد تنظيم "داعش" وفصائل مُتشدّدة أخرى، ما مجموعه 3900 غارة، منها نحو 2400 في العراق في مقابل 1500 في سوريا. وميدانياً يتواجد في العراق حالياً نحو 3000 ضابط وعنصر ومستشار أميركي لمساعدة الجيش العراقي.

(2)لقي مئات العناصر من الجيش الأميركي مصرعهم في عمليّات تفجير وفي هجمات إنتحارية وكمائن مُسلّحة نُفذت في محافظة الأنبار على يد مُناصري تنظيم "القاعدة" الإرهابي منذ الإجتياح الأميركي للعراق في العام 2003 وحتى الإنسحاب منه في العام 2011.

(3)فرّت التشكيلات المُقاتلة التي تضمّ مجموعات من أبناء العشائر السنّية من أرض المعركة، الأمر الذي ساهم في تسريع سقوط مدينة الرمادي، وأسفر أيضاً عن إرجاء حفل تخريج لما مجموعه 1180 مقاتلاً من أبناء هذه العشائر نتيجة إنعكاسات التطوّرات الميدانية السلبيّة.

(4)خاصة من عشائر "البوفهد" التي قاتلت مُسلّحي "داعش" بشراسة على الرغم من النقص في العتاد والذخائر.