في اوائل القرن الماضي، كان الدروز يقيمون حكماً ذاتياً في سوريا تارة تحت اسم "دولة الدروز" وتارة تحت اسم "دولة السويداء" الى ان أصبح بعنوان "دولة جبل الدروز". استمر الحكم الذاتي في عهد الفرنسيين رغم ثورة الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش لغاية العام 1936. بعد اعلان دولة اسرائيل عام 1948، تكثفت المحاولات لإنشاء تحالف بين تل أبيب والموحدين الدروز. لعبت الاستخبارات الاسرائيلية دوراً مهماً في تحريك مجموعات سعت لإنشاء كيان درزي. في الخمسينيات والستينيات تم التسويق اسرائيلياً لفكرة انشاء دويلات طائفية في المنطقة. تفيد التقارير الاسرائيلية المنشورة ان مفكري الدولة العبرية ضغطوا لانشاء كيانات: شيعي إيراني، ومسيحي لبناني، ودرزي سوري وكردي في العراق. يومها تكثفت المساعي وجرت اتصالات بكل اتجاه، وزار إسرائيليون لبنان وسوريا والعراق وإيران. وطدوا العلاقات بين مجموعات ودوائر القرار الاسرائيلية مرورا عبر الموساد. ليس الامر سراً. تم نشره في المذكرات الاسرائيلية.

كلفت تل أبيب يومها شخصيات تتولى إدارة تلك الملفات. من بين الشخصيات يغتال الون الذي كان يُعرف برجل الجليل وصديق الدروز. هو حرّض الإسرائيليين على المساعدة العملية لإعلان دولة الدروز. استند الون الى "وفاء" الطائفة الدرزية التي تشكل منظمة في الجيش الاسرائيلي وقدم تبريراً علمياً للخطوة.

اليوم تستعيد الصحافة الاسرائيلية تلك الوقائع، للقول بأن المسألة قابلة للتنفيذ الفوري في عز الانشغال بالحرب السورية وقلق الموحدين الدروز من تقدم "داعش" او "جبهة النصرة" في ريف السويداء.

في الأشهر الماضية جرى تحييد الدروز من قبل "جبهة النصرة" عن مسرح الانتقام المسلح. بعض عشائر البدو المتواجدين في ريف درعا القريب من ريف السويداء شنوا هجمات ضد الدروز لكنها بقيت محدودة. يستغل بعض الدروز الإسرائيليين الهواجس لحشد تأييد درزي لأي تدخل عسكري من قبل تل أبيب. تعكس الصحافة الاسرائيلية ذلك. يقولون عبرياً ان الحرب في سوريا ستجتذب اسرائيل الى المسرح السوري الجنوبي. يدفع نواب دروز الحكومة الاسرائيلية لاتخاذ قرار التدخل. استعان هؤلاء النواب والموظفون بوقائع اعدام المسلحين الإرهابيين لعدد من الدروز في الأشهر الماضية من اجل تدعيم مطالبهم.

عملياً يطرح الإسرائيليون مشروع اقامة خط حدودي على طول المساحة الفاصلة بين سوريا والأراضي المحتلة على ان يقطنها دروز لا غير. الهدف أن تكون "دويلة الدروز" الواقعية بغض النظر عن خرائط تُرسم او تقسيم يجري على الورق. حتى الآن الرسائل العلنية الاسرائيلية تقتصر على تحذير مسلحي النصرة: ممنوع المس بالدروز.

تقدم "داعش" يسرّع في انتاج اجواء القبول لانتقال الدروز الى مرحلة يريدها الإسرائيليون. منذ ايام سربت تل أبيب معلومات عن استعدادها لاستقبال وحماية الدروز في حال فرّوا من امام "النصرة" او "داعش". الأهم ان الإسرائيليين يقولون انهم لن يقفوا حينها على الحياد. حتما سيجري التدخل العسكري. الرسالة وصلت الى السويداء بعد اجتماع زعماء الطائفة الدرزية الإسرائيليين. نائب وزير اسرائيلي ينتمي الى الموحدين يُدعى ايوب قارا على اتصال مع زعماء دروز السويداء بشكل يومي.

النقاش في تل أبيب يجري في ظل محاولات درزية لرسم معادلة الحياد وعدم التطوع في الجيش السوري وتحصين المناطق في السويداء وجبل الشيخ.

اسرائيل تغازل الموحدين الدروز وتلوح بورقة الدويلة الخاصة بهم. نواب وقيادات عسكرية درزية داخل الكيان يتواصلون مع أقربائهم في السويداء تحضيراً لرسم أية معادلة جديدة. تل أبيب أوصلت رسالة الى الموحّدين مفادها: لن نترككم. لكن هناك من يقول في السويداء ان الإسرائيليين يريدون استغلال الدروز لتحقيق مصالح صهيونية: كان الأحرى بالإسرائيليين الضغط على الأميركيين لوقف المد المسلح والتمويل والتدريب والتجهيز للمجموعات التي تعبر الحدود الاردنية.