فجأة اندفعت في وقت واحد أخبار ومعلومات وتحليلات عن اندلاع معركة دمشق، وأنها صارت قاب قوسين أو أدنى.

مصدر هذه المعلومات والأخبار في لبنان كان إعلام "14 آذار"، الذي أخذ يضخ المعلومات في كل اتجاه، سواء في الإعلام المكتوب أو المرئي أو المسموع التابع لهم، أو عبر ما يسمى مراسلون أو مخبرون إعلاميون من هذه الفصيلة.

أما السياسيون من هذه الجماعات فباشروا يُعدّون العدة لنتائج "الفتح المبين"، وتوزعوا على الشاشات والاجتماعات للتحضير لليوم الموعود، بينما الرسميون من هؤلاء من وزراء ونواب اعتبروا نتائج المعركة محسومة سلفاً، وبالتالي لا بد من مواجهة تداعياتها واحتمالاتها، وكان أبرزها عندهم أن نتائج "المعركة الموعودة" ستكون نزوحاً سورياً كثيفاً نحو لبنان، قد يتجاوز مليون ونصف مليون سوري، على حد تعبير أحد المخبرين الإعلاميين في جماعة "14 آذار"، الذي يوزع الأخبار والمعلومات على عدد من وسائل الإعلام المحلية والخليجية.

فيما وزراء ونواب من جماعة "14 آذار" واللقاء الجنبلاطي راحوا عميقاً في تحليلاتهم "النفيسة" عن ضرورة مواجهة النزوح السوري الكبير، وكان لافتاً أن أحد المبشرين بذلك هو الوزير وائل وهبي ابو فاعور، الذي صار الضمير المتكلم لأبي تيمور جنبلاط..

تعددت أشكال التحليلات وسرد الوقائع لأضغاث أحلام، ليذهب بعضها إلى تأكيد أن الدعوة المستعجلة لانعقاد جلسة المجلس الوزراء، بعد طول انقطاع، من أسبابها التداعيات المحتمَلة لمعركة دمشق، وأن الحكومة اللبنانية تلقّت نصائح من عدة جهات عربية ودولية بضرورة الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة.

ومن هذه التفسيرات والتحليلات أن "المجتمع الدولي اتخذ قراراً بالضغط على إيران ومحور الممانعة" (التعبير ورد بالحرف في جريدة المستقبل) "من خلال تسهيل فتح معركة دمشق، بعد أن كانت العاصمة من الخطوط الحمر الدولية"، وحسب رأي "المستقبل" أن مؤشرات فتح معركة دمشق "تظهر في الدعم العربي للمعارضة المعتدلة في الجبهة الجنوبية لتحرير ما تبقى من محافظتي درعا والقنيطرة، وللزحف باتجاه دمشق".

ثمة ملاحظة هنا، هي أن هذا الإصرار على ما يسمى "معركة دمشق" جاء بعد التطورات الميدانية التي حصلت في الجنوب السوري، وفيها حطّم الجيش العربي السوري "عاصفة الجنوب" التي تحدّث عنها حلف أعداء دمشق مطوّلاً.

واقع الحال أن هذه المعزوفة تتكرر منذ بدء الحرب الكونية على سورية، حيث حددت في كل مرة منذ نحو اثنين وخمسين شهراً مواعيد لنهاية الدولة الوطنية السوري، في رمضان ثم في الأضحى أو في الصيف من كل عام.

رهانات أتباع حلف العدوان على سورية، سواء في لبنان أو في الأردن، أو في أي مكان، تلازمت مع ضجيج العدوان السعودي - الأميركي - الصهيوني على اليمن، الذي تبيّن حتى الآن أنه غير قادر على إحداث التغيير المنشود سعودياً في بلاد منبت العروبة، وها هي صواريخ سكود اليمنية تدق أبواب الرياض، وتجعل السعودية محشورة بشرّ أعمالها.

بأي حال، فالأسبوعان الأخيران شهدا تطورات ميدانية كبيرة على مختلف محاور القتال، تجلّت بشكل واضح في تحطّم "عاصفة الجنوب" في سورية، ووقوع مئات القتلى والجرحى من المجموعات الإرهابية، ودكّ تحصيناتهم ومواقعهم، رغم أن الهجمات الإرهابية حظيت بتنسيق واسع ومنظّم من حلف العدوان على سورية، بدءاً من غرفة "عمليات موك" في الأردن، التي يشرف عليها ضباط أميركيون وصهاينة وسعوديون، وأردنيون وأتراك كبار، بالإضافة طبعاً إلى مسؤولين كبار في أجهزة الاستخبارات في هذه الدول.

كما أن قطر والسعودية أغدقتا الأموال المذهلة؛ في محاولة لتعديل التوازنات الميدانية، ففاجأ الجيش السوري الجميع في تكتيكاته واستراتجياته العسكرية الجديدة، التي جعلت المجموعات الإرهابية أمام الهزائم التي لحقت بها تتبادل الاتهامات بالخيانات.

ومن الواضح أن الحديث عن معركة دمشق ترافق مع جملة وقائع سياسية حاول أعداء سورية توظيفها مع "أضغاث أحلامهم"، منها زيارة ولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن سلمان إلى موسكو ثم إلى باريس، وعقده صفقات بمئات مليارات الدولارات، وتصويرهم أن صفقة سعودية - روسية تمّت على حساب دمشق، لكن سرعان ما دحض فلاديمير بوتين هذه التكهنات بإعلان تأييده ودعمه الحازم للرئيس بشار الأسد، فيما الزيارة الباريسية ليست إلا رشاوٍ سعودية لفرنسا، وهو ما صار عليه نمط الحكم في "بلاد مئة نوع من الجبنة" منذ أيام جاك شيراك، حيث الرؤساء يحبّون "الهدايا" والرشاوى وأشياء أخرى.

الفشل القاتل الذي أصاب حلف أعداء دمشق في الجنوب أصابهم في الشمال، من خلال الصمود والمواجهة الأسطوريين في الحسكة وعين العرب، وتحرير تل أبيض، بحيث كانت الصفعة الموجهة إلى تركيا أكبر من أن يحتملها رجب طيب أردوغان، الذي صار همّه توريط جيشه في الحرب ضد سورية، محاولاً استغلال فرصة وجود حكومة الألعوبة أحمد داود أوغلو في تصريف الأعمال، ليضع المعارضة التي تمتلك الأكثرية البرلمانية أمام الأمر الواقع، لكن على ما يبدو فإن الجيش التركي حتى الآن ما زال يرفض مغامرة "السلطان الجديد".

كل ذلك، دون أن ننسى غرب سورية، وتحديداً منطقة القلمون، حيث يذهب الجيش السوري والمقاومة اللبنانية لتنظيفها نهائياً من بؤر الإرهاب.

هل يستوعب المراهنون والمنظرون لمعركة دمشق العبر والدروس؟

لا نعتقد ذلك، خصوصاً عندنا في لبنان، فوثائق وكيلكس أكّدت مرة جديدة أن المال والمال فقط هو من يحدد مواقف سياسيين وإعلاميين في بلاد الأرز، والسعودية، مع الأسف الشديد، ما زالت قادرة على شراء الذمم والضمائر والمبادئ والمواقف.