منذ تسريب أشرطة تعذيب الموقوفين في سجن رومية، يبحث وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ عن أيّ وسيلة تساعده على تعويض تراجعه في الشارع السني، لا سيما بعد أن شاهد خروج مظاهرات في أغلب المدن والمناطق تطالبه بالإستقالة، في حين كان يعتبر نفسه الرجل الأقوى في تيار "المستقبل"، في ظل غياب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن البلاد.

يدرك النائب عن العاصمة بيروت، أن وصوله إلى السراي الحكومي في مرحلة لاحقة، يتطلب نسج علاقات مميزة مع كافة المكونات، خصوصاً "حزب الله" و"التيار الوطني والحر"، وهو حرص منذ توليه منصبه الوزاري إلى القيام بهذا الأمر، حيث تحول إلى أبرز موفدي "المستقبل" إلى الرابية، إلى جانب النائب السابق غطاس خوري، وإلى قناة الإتصال الأولى مع حارة حريك، معتمداً من ناحية أخرى على الدعم السعودي إقليمياً، عبر العلاقة المميزة مع ولي العهد محمد بن نايف، وعلى الدعم الأميركي دولياً، من خلال ذهابه بعيداً في عملية مكافحة الإرهاب، وتجاوزه الخطوط الحمراء عبر عملية إقتحام المبنى "ب" في سجن رومية.

من وجهة نظر مصادر مطلعة، الضربة التي تعرض لها وزير الداخلية والبلديات، بواسطة الأشرطة المسربة، كانت كبيرة جداً، وبالتالي لم يعد من الممكن الإستمرار بالنهج نفسه، قبل العمل على التصالح مع شارع "المستقبل"، الذي كان في الفترة الأخيرة ينظر إلى ممثله في الحكومة على أنه عضو في قوى الثامن من آذار، وتشير إلى أن المشنوق عمد في الفترة الأخيرة إلى القيام بالعديد من الخطوات، أبرزها كلامه عن أن القمر العربي سيهزم الهلال الفارسي، في هجوم واضح يتخطى الحدود اللبنانية وصولاً إلى العاصمة الإيرانية طهران، الأمر الذي لم يكن من الممكن أن يمر مرور الكرام.

وتلفت المصادر نفسها، عبر "النشرة"، إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يقدم بها المشنوق على مثل هذه الخطوة، حيث سبق له أن قام بها مباشرة بعد إنتهاء إحدى جلسات الحوار مع "حزب الله" في عين التينة، وترى أن الهدف الأساسي منها العمل على تعويض تراجعه على المستوى الشعبي، في وقت يثبت منافسه وزير العدل ​أشرف ريفي​ في كل مرة أنه متناغم مع شارعه عبر الإستمرار بالتصعيد في وجه العماد ميشال عون وقيادة الحزب، وتضيف: "ما يقوم به وزير الداخلية والبلديات مفهوم، لكنه يعرضه إلى خسائر في مكان آخر".

في هذا السياق، توضح المصادر المطلعة أن المشنوق عمل في الفترة الأخيرة على إستهداف رئيس تكتل "التغيير والإصلاح"، من خلال مقابلة تلفزيونية تناولت الأوضاع على الصعيدين الحكومي والرئاسي، متحدثاً عن صلاحيات رئيس الحكومة، في وقت يعتبر فيه العماد عون أنه يخوض معركة وجودية في الدفاع عن حقوق المسيحيين، وتشير إلى أن توجه الأخير إلى التصعيد أكثر في الأيام المقبلة سيدفع بوزير الداخلية والبلديات إلى أخذ مواقف أوضح.

في ما يتعلق بالعلاقة مع "حزب الله"، تلفت هذه المصادر إلى أن الرهان الأكبر كان عليها، خصوصاً بعد أن سمِع المشنوق على لسان أكثر من جهة مقربة من الحزب الثناء على دوره، وعلى تعامله في موقعه الوزاري من منطلق رجل الدولة، في إشارة إلى القبول بوجوده على رأس السراي الحكومي، إلا أنها تشير إلى أن الرد على موقفه الأخير من قبل نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق، من دون تسميته، كان بارزاً، خصوصاً أنه نزع صفة "الإعتدال" و"الوسطية" عنه، ما يعني حكماً أن "حزب الله" لن يسكت عن أي هجوم يتعرض له، حتى لو كان مصدره المشنوق، الساعي إلى تعويم نفسه على الساحة السنية، لأن المطلوب تدعيم الخطاب المعتدل فعلياً بدل الهروب إلى الأمام.

وفي حين تعتبر المصادر أن عمل النائب البيروتي على إستعادة صورته السابقة أمام جمهوره يتطلب جهداً كبيراً، تشير إلى أن ذلك سيكون ثمنه باهظاً على الصعيد الوطني، وترى أن عليه التنبه جيداً ممن ينصب له المكائد داخل تياره، بدل الذهاب إلى فتح جبهات جديدة، خصوصاً أن الأمر سيرتد عليه قبل غيره، فهو عملياً لا يستطيع أن يكون نسخة ثانية عن ريفي، وبالتالي رصيده السياسي يكمن أولاً في قدرته على نسج العلاقات مع باقي الأفرقاء، وعلى قراءة الأوضاع والتطورات بشكل عقلاني يسمح له البناء عليها.

في المحصلة، لا يحسد نهاد المشنوق على الواقع الذي هو فيه، فهو لا يستطيع الإستمرار في ظل تراجع رصيده الشعبي، وتناغمه مع الشارع في مواقفه سيكون مكلفًا من الناحية السياسية، فهل يجد حلاً وسطاً في وقت قريب؟