8 ضحايا وعشرات الجرحى ودمار هائل وأضرار مادية جسيمة ونزوح مئات العائلات من منازلها إلى مناطق أخرى داخل المخيّم وخارجه في صيدا والجوار، هي حصيلة الاشتباكات الدامية التي توزّعت على 4 جولات لتكون الأعنف التي يشهدها المخيّم منذ سنوات عدّة...

هل كانت هذه الحصيلة كافية للاتعاظ بوقف الاشتباكات العبثية التي لا يستفيد منها إلا العدو الصهيوني وبأيدٍ فلسطينية تنفّذ أجندات خارجية؟...

ألم يكن بالإمكان حجب الدماء وتجنّب الاشتباكات الدامية منذ اللحظة الأولى، قبل أنْ يعود الجميع إلى نقطة البداية، بوقف لإطلاق النار وتهدئة وإزالة المتاريس التي ارتفعت سريعاً، والطلب من الأهالي العودة إلى منازلهم التي اضطروا لتركها قسراً ؟...

لقد نجح الـ "مايسترو" بالدفع إلى تنفيذ مخطّط مرسوم تتجدّد عناوينه ومسمياته، يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في "عاصمة الشتات الفلسطيني" باستهداف حق عودة اللاجئين إلى وطنهم فلسطين، وفقاً للقرار الدولي 194، ودفعهم إلى التهجير والهجرة مجدّداً في منافي الأرض...

يضم مخيّم عين الحلوة "موزاييكاً سياسياً" يتوزّع بنسب متفاوتة على أكثر من 20 فصيلاً وقوّة ومجموعة، بينها ما ينضوي في إطار "منظّمة التحرير الفلسطينية"، "تحالف القوى الفلسطينية"، "القوى الإسلامية" و"أنصار الله"، فضلاً عن "الشباب المسلم" الذي يضم مجموعة من الإسلاميين المتشدّدين، إضافة إلى مجموعات وقوى تحت عناوين أخرى...

والمؤسف أنّه تكثر المواقف السياسية علانية وفي الاجتماعات، لكن عند الشدّة وفي لحظات الحسم، يتغلّب ما كان يجري خلف الكواليس ومن تحت الطاولة على هذه المواقف، فتنقلب الحسابات اصطفافاً لصالح الأفرقاء عند أي استحقاق، وتحديداً اشتباكات، فتتبدل الأمور ما يؤدي إلى ضرورة إعادة الحسابات مجدّداً، لأنّ أكثر من فريق ليس من مصلحته تغليب طرف على آخر أو إلغاء آخر...

ما شهده مخيّم عين الحلوة في الآونة الأخيرة وضع جميع القوى السياسية والأمنية الفلسطينية والتحرّكات والمبادرات الشعبية، أمام المسؤولية التاريخية بتفويت مؤامرة تدمير المخيّم، بأيدي عدد من أبنائه الذين غُرِّرَ بهم وينفّذون مخطّطات، سواء أكانوا يدرون خطورة ذلك أم لا؟...

ألم يتّعظ هؤلاء ممّا يجري في مخيّم اليرموك في سوريا، وما جرى في مخيّم نهر البارد في لبنان في أيار من العام 2007، عندما اختطفت مجموعة إرهابية تحت مسمّى "فتح الإسلام"، وفتح والإسلام منها براء، فاعتدت على الجيش اللبناني، ودمّرت المخيّم الذي ما زال أهله يعتصمون ويطالبون باستكمال إعادة إعماره...

توقيت غير بريء

نموذج التدمير الممنهج للمخيّمات الفلسطينية، خاصة في لبنان، من تدمير مخيّم النبطية من قِبل طائرات العدو الإسرائيلي في العام 1974، وما تبعه من تدمير لمخيَّمَيْ تل الزعتر وجسر الباشا في بداية الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، ثم ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول 1982، إثر الاحتلال الإسرائيلي للعاصمة بيروت، وما تلا ذلك من استهداف للمخيّمات على مر تلك السنوات، يؤكد الهدف الأول، الذي نفذه العدو الإسرائيلي بتدمير المخيّمات، لأنّها قلاع يتحصّن بها اللاجئون الفلسطينيون المتمسّكين بحق العودة، فيما يسعى الاحتلال إلى تهجيرهم من مخيّمات اللجوء في لبنان وسوريا، كما الضفة الغربية وقطاع غزّة والقدس، وليس بريئاً توقيت ما جرى في مخيّم عين الحلوة بأنّه حصل في ظل الحديث عن:

- تهديد إدارة "الأونروا" بوقف تقديماتها للاجئين الفلسطينيين، وإنهاء خدماتها، ما يعني إلغاء الوكالة الدولية الشاهدة على نكبة الشعب الفلسطيني، التي أُوجدت من أجل إغاثته وتشغيل أبنائه، فكان التهديد بتقليص أو وقف خدماتها، تذرّعاً بعدم تسديد الدول المانحة لالتزاماتها البالغة 101 مليون دولار أميركي، لولا مكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بدفع مبلغ 35 مليون دولار أميركي.

- طلب اللجنة التنفيذية لـ "منظّمة التحرير الفلسطينية" في الجلسة التي عقدتها برئاسة الرئيس محمود عباس من "المجلس الوطني الفلسطيني، الدعوة إلى جلسة لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة للمنظّمة، بعدما تقدّم الرئيس و10 أعضاء باستقالاتهم من عضوية اللجنة ما يحتّم انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، ستُعيد انتخاب الرئيس "أبو مازن" رئيساً للمنظّمة مع فريق عمل متجانس في الموعد الذي حُدّد لعقد جلسة عادية أو خاصة لـ"المجلس الوطني" يومَيْ 14 و15 أيلول الجاري، وذلك قبل أنْ يتوجّه الرئيس الفلسطيني إلى "الأمم المتحدة" لإلقاء كلمة فلسطين في الجمعية العمومية، تزامناً مع الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس "الأمم المتحدة"، الذي سيشارك فيها رؤساء وقادة من العالم.

- قرار حركة "فتح" بعقد مؤتمرها العام السابع بتاريخ 29 تشرين الثاني 2015، ما سيؤدي إلى انتخاب لجنة مركزية ومجلس ثوري جديدين، حيث من المتوقع ألا يتمكّن كُثُر ممَّنْ يسعون إلى حجز موطئ قدم، أو تشكيل تكتل داخل حركة الطلقة الأولى، تحقيق حلمهم.

ولم يكن مستبعداً ما يجري من توتيرات، لأنّ ما سبق انعقاد المؤتمر العام السادس للحركة، شهد أيضاً اشتباكات، بل سبقه اغتيال القيادي في "فتح" الدكتور كمال مدحت (كمال ناجي) بتاريخ 23 آذار 2009 عند المدخل الغربي لمخيّم المية ومية.

- الأحاديث عن مفاوضات غير مباشرة بين حركة "حماس" والكيان الإسرائيلي عبر الوسيط الدولي توني بلير، لعقد تهدئة لمدّة زمنية، ما يعنيه ذلك من تكريس لانسلاخ قطاع غزّة عن الدولة الفلسطينية.

- تداعيات توقيف إمام "مسجد بلال بن رباح" الشيخ أحمد الأسير من قِبل الأمن العام اللبناني (15 آب 2015)، والذي اعترف بأنّه مكث في مخيّم عين الحلوة لفترة من الوقت، حيث اعتبر البعض أنّ المخيّم لم يتمكّن من احتضانه وحمايته، بعدما لم يتجاوب مع رغبته ومطالبه المؤازرة عندما اعتدت مجموعته على الجيش اللبناني في عبرا (23 حزيران 2013).

إحاكة خيوط

في ظل هذه المعطيات والاستحقاقات، كان هناك مَنْ يُحيك الخيوط ويربط بعضها بالبعض الآخر، بتنفيذ اعتداءات وتوتيرات في المخيّم، أبرزها:

- استهلال شهر رمضان بالإشكال، ثم الاشتباك الذي وقع في منطقة طيطبا بين عناصر من "فتح" و"جند الشام" (18 حزيران 2015).

- الإشكال الفردي الذي وقع في منطقة حي الزيب - المنشية في الشارع التحتاني للمخيّم، ودخول "مندسّين" على الخط باستهداف قياديين في "الحركة الإسلامية المجاهدة" بهدف جرّها إلى المعركة (28 حزيران 2015).

- قيام مسؤولين وعناصر في "جند الشام" و"الشباب المسلم" باستهداف كوادر ومسؤولين وعناصر من حركة "فتح" استهلت باغتيال قائد "كتيبة شهداء شاتيلا" العميد طلال بلاونة "طلال الأردني" (25 تموز 2015) في وضح النهار، حيث أظهرت كاميرات المراقبة 3 مسلّحين منفذين من "جند الشام"، لكن لم يتم تسليمهم إلى اللجنة الأمنية للتحقيق معهم.

- إطلاق النار بتاريخ 28 تموز 2015 في حوادث منفصلة، لكن كانت تهدف إلى التوتير، حيث أطلق النار على العنصرين في "جند الشام" محمد عمر ومحمود عمر، الذي ما لبث أنْ فارق الحياة (5 آب 2015).

وفي حادث آخر أطلق النار باتجاه المواطن المدني دياب المحمد، الذي فارق الحياة.

كما اغتيل العنصر في حركة "فتح" طلال المقدح في اليوم ذاته.

هذه الأحداث كانت تشير إلى أنّ هناك إصراراً لدى البعض لجر المخيّم إلى تفجيرات وتوتيرات، وهو ما حصل فعلاً.

فقد استهدف مسؤول "قوّات الأمن الوطني الفلسطيني" في منطقة صيدا وقائد "كتيبة الشهيد أبو حسن سلامة" العقيد سعيد العرموشي (22 آب 2015) أثناء توجّهه للمشاركة في تشييع العنصر في حركة "فتح" يوسف جابر، بعدما سقط بإشكال مع زميله في الحركة عوني زبيدات الذي سلّمته حركة "فتح" إلى مخابرات الجيش اللبناني، وكأنّ توقيت محاولة اغتيال العرموشي ردّاً على قرار "فتح" بتسليم المخلّين بالأمن إلى السلطات اللبنانية، فضلاً عن تصفية حسابات "جند الشام" مع الحركة.

وعلى الرغم من اتفاقات التهدئة التي كان يُعلَن عنها نتيجة للاتصالات السياسية والأمنية اللبنانية - الفلسطينية، إلا أنّ اتفاقات وقف النار والهدنة سرعان ما كانت تخرق وتسقط قبل أنْ يتم التوصّل إلى اتفاق جديد.

واعتباراً من ظهر الثلاثاء (25 آب 2015) أثمرت الاتصالات التي جرت، واللقاءات التي عقدتها القيادة السياسية الموحّدة العليا للفصائل والقوى الفلسطينية بدعوة من السفير أشرف دبور في مقر سفارة دولة فلسطين في بيروت، واجتماعات "اللجنة الأمنية العليا للمخيّمات" الذي عُقِدَ في "قاعة مسجد النور" في مخيّم عين الحلوة، وما تلا ذلك من انطلاق "مسيرة المصير" عن التوصّل إلى اتفاق نهائي، على الرغم من الخرقين الأمنيين اللذين أوديا بحياة العنصر في "القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة" في المخيّم رضوان عبد الرحيم (ليل 26 آب 2015) قبل اغتيال عضو "لجنة طيطبا" فادي خليل (فجر 27 منه) في محاولة لاستهداف "القوّة الأمنية" والمصلحين من أبناء المخيّم.

والتساؤلات التي تُطرح هي عن أنواع الأسلحة التي استخدمت في الاشتباكات الضارية، وكيف جرى إدخالها إلى المخيّم، ومَنْ تكفّل بدفع تكلفتها الباهظة وتمويل الاشتباكات، بدلاً من دفعها في الإنماء والتنمية؟!

هل زالت الأسباب التي أدّت إلى اندلاع الاشتباكات، أم هي استراحة المحارب للتذخير والاستعداد لمعركة مقبلة؟

هل خشي مَنْ أقدم على التوتير من الحراك الجماهيري؟ وأنّ الشعب سيثور على كل مَنْ يُهدّد أمنه واستقراره؟

بعد وضع المتاريس من حاويات نفايات وأحجار باطون وأكياس رملية، شكّلت دشماً، سرعان ما جرت إزالتها، فماذا تغيّر حتى تبدّل المشهد، لكن بعد سقوط ضحايا وأضرار جسيمة وهلع وخوف في أوساط المواطنين؟

ألم يكن بالإمكان تجنّب كل ذلك، بعدم إطلاق النار والاشتباكات، ووضع الدشم، ثم القرار بإزالتها؟

ماذا يضمن عدم تكرار أي خرق أو إشكال، وتطوّر ذلك إلى اشتباكات، خاصة أنّ المخطّط التوتيري ما زال موجوداً والـ "مايسترو" ما زال بإمكانه قيادة "أوركسترا" العزف وفق النوتة التي يضعها، ويوجّه مَنْ يريد كما يشاء.

وفي استعراض لمسرح الاشتباكات، فإنّها وقعت في منطقة بستان القدس والشارع الفوقاني والبركسات ومخيّم الطوارئ وتعمير عين الحلوة، وهو ما يشير إلى أنّها تركّزت في منطقة تجمّع المدارس، وحين حصولها لم يكن قد استأنف العام الدراسي، فماذا سيكون مصير الطلاب إذا ما غامر البعض بالتوتير من دون الأخذ بالحسبان النتائج المباشرة لذلك؟!

توقفت الاشتباكات، وبوشر برفع النفايات المتراكمة كما الدشم، وعاد الأهالي لتفقّد منازلهم وممتلكاتهم ومحالهم وسياراتهم، وكانت الصدمة هول ما شاهدوه من أضرار جسيمة وخسائر فادحة، حيث يُطرح التساؤل مَنْ سيعوّض على هؤلاء خسائرهم وإعادة إعمار ما تهدّم؟

لكن مَنْ يأخذ حق مَنْ قُتِلَ غدراً من أبرياء؟

ومَنْ أجاز القتل وتحت أي شريعة يُفتى بذلك؟

حقائق للاتعاظ

انقشع غبار المعركة وذاب الثلج وبان المرج، لكن حقائق يجب أنْ يتم التوقّف عندها بشكل جلي وملي للاتعاظ من التجارب وعدم تكرار الأخطاء القاتلة:

- لقد كانت الاشتباكات اختباراً لحركة "فتح"، خاصة مع ترويج البعض بأنّ واقع الحركة "مترهّلٌ"، وأنّ هناك تكتلات داخلها، وهي بحاجة إلى "شدشدة" وقيادة جديدة، فكان الرد بأنّها أكثر تماسكاً من أي وقت مضى، حيث كان ردّاً مختلفاً من وحداتها على مطلقي النار، فثبت أنّ القرارات التي اتخذتها قيادة الحركة بعد زيارة عضو لجنتها المركزية والمشرف العام على الساحة الفلسطينية في لبنان عزام الأحمد، كانت للتنفيذ، ولم تكن قرارات ورقية.

- تماسك "فتح" جاء ردّاً على محاولة جس نبض مدى قوّتها، سواء من قِبل قوى إسلامية متشدّدة، أو أخرى تسعى للانقلاب على الحركة، أو قوى تطمح لأخذ دورها، فضلاً عمَّنْ يسعى للترويج بضعفها.

- فشل الصدام بين حركة "فتح" و"القوى الإسلامية" وتحديداً "عصبة الأنصار الإسلامية" و"الحركة الإسلامية المجاهدة" التي ترسّخت منذ لقاء المصارحة الذي عُقِدَ بين الأحمد ومسؤولي العصبة الشيخين أبو طارق السعدي وأبو شريف عقل وأمير "الحركة الإسلامية المجاهدة" الشيخ جمال خطاب في سفارة فلسطين في بيروت (24 شباط 2013)، حيث سرعان ما جرت اتصالات، وكشفت عن أنّ هناك "مندسين" يسعون إلى استدراج "عصبة الأنصار" إلى معركة بإطلاق النار من منطقة البركسات باتجاه معقلها في مخيّم الطوارئ، وذلك بعدما فشل من قِبل استدراج "الحركة الإسلامية المجاهدة" (28 حزيران 2015).

- تنفيذ بنود "المبادرة الفلسطينية" التي وقّعتها الفصائل والقوى الفلسطينية (28 آذار 2014) والتي قضت بتشكيل "القوّة الأمنية" وتفعيل كافة أطرها، خاصة لجنة التحقيق مع إعطائها صلاحيات كاملة بإكمال تحقيقاتها والاستماع إلى المشتبه بهم، لا أنْ يتم الإعلان برفع الغطاء السياسي عن المخلّين بالأمن، وعندما يكون المشتبه به يحظى بواقع خاص، تُكبّل أيدي اللجنة بدلاً من تكبيل يدَيْ الجاني.

- ضرورة أنْ تأخذ "القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة" المشكّلة من القوى الفلسطينية كافة، دورها كاملاً بالانتشار في كافة المناطق في المخيّم، وألا تكون هناك مربّعات أمنية ممنوعة من دخولها، وألا يتم نشر أي قوّات تحت مسميات أخرى.

- إطلاق عمل لجنة المصالحات المجتمعية في أعقاب إنجاز التحقيقات وتحميل المسؤوليات، حتى تأخذ هذه اللجنة دورها كاملاً ما يساهم في تنفيس الاحتقان.

- فتح حوار مع القوى الإسلامية المتشدّدة في مخيم عين الحلوة، وإقناعها بأنّ المخيّم، هو الملاذ الأخير لها، إذا ما التزموا التشريعات السماوية والوضعية بوقف سفك الدماء، وعدم إجازة القتل والإفتاء به لمجرّد الاختلاف بوجهات النظر، وعدم استجلاب ومحاكاة أسلوب "داعش".

وأنْ يكون هناك حوار جدي، حيث يمكن أنْ يعطي ثماره، والتجارب السابقة كانت لها نتائج إيجابية، وخير ذلك تجربة مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، يوم كان رئيساً لفرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب وفتح "كوة" في جدار العلاقات مع الجانب الفلسطيني، ودخل إلى مخيّم عين الحلوة (8 تشرين الثاني 2006)، وأسس لنموذج جديد من التعاطي، كانت أولى ثماره تغيير الكثير في أداء القوى الفلسطينية وفي طليعتها "عصبة الأنصار" التي تحوّلت من "شماعة" تعلّق عليها العديد من القضايا الأمنية - وإنْ لم تكن قد اقترفتها - إلى صمّام أمان أفشل العديد من محاولات التفجير وتوتير الوضع في المخيّم والجوار وبالدم القاني، والعض على الجرح، سواء قبل نشر القوّة الأمنية أو بعدها.

هذا نموذج يمكن الاقتداء به، خاصة أنّه للمرّة الأولى منذ أنْ عُيّن السفير أشرف دبور سفيراً لدولة فلسطين في لبنان، نجحت الفصائل والقوى الفلسطينية بتشكيل قيادة سياسية موحّدة من كل مكوّنات الشعب الفلسطيني على الساحة اللبنانية.

- التنبّه إلى احتمالات الخرق لتهريب مطلوبين، أو تحت عنوان الاشتباه بتحرّكات، وشائعات الفتنة المغرضة التي تبث، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتنطلق كالنار في الهشيم، وتؤدي إلى توتير وهلع ونزوح الأهالي، الذين ملوا الترحال والبحث عن أماكن آمنة عند أقارب أو أصحاب، أو في أماكن عامة ومساجد، أو على أرصفة الطرقات، وتحت الأشجار، لأنّ الهدف الرئيسي هو تهجير اللاجئين الفلسطينيين مجدّداً، وأنْ يصبح هذا هو مطلبهم الذي كانوا يرفضون مجرّد طرحه!

من المهم التنبّه إلى مَنْ يسعى إلى أخذ دور، والإيحاء بأنّ الملف الفلسطيني في جيب أي كان، واستخدامه بدلاً من الشراكة فيه، فالقضية الفلسطينية لا يمكن اختزالها بأشخاص، بل الجميع روافد لأقدس القضايا المحقة.

تجربة جديدة يعيشها المخيّم، يأمل فيها أبناؤه بأنْ يكون الجميع قد اتعظ كيف بإمكانهم المحافظة على "عاصمة العودة" إلى فلسطين وليس تدمير مخيّمهم، والتمسّك بالمحافظة عليه وعلاقته مع الجوار، خاصة الحاضن الأول للقضية الفلسطينية، مدينة صيدا، والتنبّه إلى مخاطر المصطادين بالمياه العكرة لضرب هذه العلاقة التاريخية، المكرّسة بدماء الشهداء والجرحى والمناضلين والمصاهرة الممتدة إلى أمد التاريخ، وألا يسمح بضرب هذه الصيغة النموذجية التي قدّمت الكثير من أجل قضية فلسطين واحتضنتها، حتى يوم كانت تُغمد خناجر كثيرة وتمزق القضية الفلسطينية.