يذهب دبلوماسي لبناني سابق مثّل لبنان في عواصم كبرى ومنظمات دولية هامة، إلى تأكيد أنه على صمود سورية ورئيسها بشار الأسد يتقرّر مصير السلام العالمي.

وحين يُسأل كيف ذلك، يعود إلى الوراء ردحاً طويلاً من الزمن، لافتاً إلى أنه مع انهيار الاتحاد السوفياتي، صارت الولايات المتحدة القطب الوحيد المهيمن على العالم ومؤسساته، خصوصاً لجهة ما يسمى "المجتمع الدولي"، أي منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وغيرها، لا بل أكثر من ذلك، بدأت بتشكيل العالم من جديد، وجعلته ميداناً لتجارب أسلحتها المدمرة؛ فتدخلت عسكرياً في يوغوسلافيا، وفكّكت الاتحاد اليوغسلافي، وجعلت من دوله محط تجارب لسلاحها المدمر، الذي طال جنودها، ومشهور المرض الذي أُطلق عليه "أعراض يوغوسلافيا" في الولايات المتحدة، والذي كان يصيب حصراً الجنود الذي خدموا في الاتحاد اليوغسلافي السابق.. كما أسهمت في تفكيك تشيكو سلوفاكيا، وجعلتها دولتين؛ تشكيا وسلوفاكيا.. ومحطتها الهامة كانت استهداف الاتحاد الروسي، مذكّراً بأحداث الشيشان واوسيتيا وغيرها من المقاطعات ضمن الاتحاد الروسي، وهدفها كلها في نهاية المطاف إذلال موسكو، وتحويلها إلى دولة لا حول لها ولا قوة، ولهذا ترافق الهجوم الأميركي على ما بقي من حلفاء لموسكو، فكانت الخطط التي دمّرت العراق وحطمت ليبيا وهزت منظمة التحرير الفلسطينية، وجعلتها رهن الإدارة الأميركية، وكلها كان فيها دور للكيان الصهيوني.

من أجل ذلك، حولت واشنطن منظمة الأمم المتحدة إلى جرم يدور في فلك وزارة الخارجية الأميركية، فجاءت بأحد رموز "كامب دايفيد" أميناً عاماً للأمم المتحدة، هو بطرس بطرس غالي، من أجل قيادة نوع من التطبيع العربي - الصهيوني، وتسهيل التواصل الصهيوني – العربي، غير أن غالي جلب عليه غضب واشنطن وتل أبيب حينما اضطر أن يعترف بمسؤولية الدولة العبرية على مجزرة قانا في حرب نيسان 1996، لكن نائبه كوفي أنان، برّأها من هذه الجريمة المروّعة، فكوفئ بانتخابه خلفاً لغالي، الذي ورّط بدوره في العراق من خلال نجله بفضيحة "النفط مقابل الغذاء"، لتبلغ ذروة تدمير منظمة الأمم المتحدة بانتخاب بان كي مون، وهو ما يُعدّ خرقاً فظيعاً لميثاق الأمم المتحدة، الذي حسب الأعراف والتقاليد الدبلوماسية لا يجوز أن يكون على رأس المنظمة الدولية شخص يشكّل طرفاً في أي صراع بين دولتين، فبان كي مون كان وزيراً لخارجية كوريا الجنوبية، التي هي على خلاف وعداء شديد مع كوريا الشمالية، فماذا يكون موقف هذا الرجل في أي مسألة تتعلق بالكوريتين، بالإضافة إلى تورطه بقضايا فساد، سواء حينما كان على رأس دبلوماسية بلاده، أو على رأس المنظمة الدولية، لدرجة أن مسؤولة مكتب خدمات المراقبة الداخلية المكلفة بمكافحة الفساد في الأمم المتحدة إينغا بريت الينوس قدّمت تقريراً اتهمت فيه الأمين العام بالسرقة، مؤكدة أن أعماله تستحق العقاب، لكن بإرادة واشنطن استمر في عمله.

يتابع هذا الدبلوماسي المخضرم: كان الهدف الأميركي الأساسي، خلق "إسرائيل" الكبرى في المنطقة، ليس بمعنى المفهوم التلمودي جغرافياً من "النيل إلى الفرات"، إنما كقوة وذراع يتحكم بكل المفاصل لحساب "سيدة العالم"، من خلال كيانات هشة وضعيفة تحيط بالدولة العبرية، لكن بأس المقاومة اللبنانية خربط الحسابات غير المتوقعة أميركياً، في ظل الانتصارات العظيمة التي حققتها المقاومة، سواء في أيار 2000، أو انتصار 2006، ولهذا كان لا بد من استهداف أهم ظاهرة أنتجها التاريخ العربي والإسلامي منذ سقوط غرناطة في الأندلس عام 1492م، فكانت سلسلة الاستهدافات التي تجلّت بضرب لبنان، وكانت قمتها في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، والتي بدأت باتهام سورية ومن ثم المقاومة، ولا أحد يدري إلى أين يمكن أن تتجه في الاتهامات مستقبلاً.. وحينما لم تفلح كلها، كان الهدف الكبير باستهداف سورية منذ أكثر من 54 شهراً، والتي حشدت لها الولايات المتحدة 85 دولة وكل قوى الإرهاب والتكفير من جميع أنحاء العالم، ولم تكتفِ بـ"جهاديي القاعدة"، فتم خلق تنظيمات إرهابية جديدة تابعة لـ"القاعدة"، كـ"جبهة النصرة"، وحركات إرهابية أشد تطرفاً أيضاً، كـ"داعش"، وعشرات التسميات، كـ"جيش الفتح" و"أحرار الشام" و"جيش الفاروق" وغيرها.. لكن الصمود السوري قيادة وجيشاً وشعباً، والتحالف المتين مع المقاومة والجمهورية الإسلامية، أمّن لسورية صموداً أسطورياً، وبدأ العالم يشهد تغييراً ملحوظاً، من أهم سماته عودة روسيا كقوة عظمى، وبروز إيران كقوة إقليمية كبرى، مقابل تصدّع حلف العدوان بأشكال مختلفة.

ويلفت أخيراً إلى موقف رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف، بتأكيده أن الإرهاب هو أهم التحديات التي يواجهها العالم، خصوصاً ما يقوم به تنظيم "داعش" من تهجير لمن يعارضه، وهدم الآثار كما نرى في سورية والعراق..

وفي موقف لافت في وجه "الناتو" والغرب يقول لافروف: نعمل على تطوير مجموعة "بريكس" ومنظمة شنغهاي بهدف مواجهة الإرهاب وهزيمته، مشيراً إلى أن "داعش" ظهر في العراق بفعل التدخل الخارجي، ومحاربته أمر مطلوب دون استخدام المعايير المزدوجة..

ويؤكد أنه يتم استخدام الجماعات المسلحة ضد الرئيس بشار الأسد، كما استخدمت في العراق وليبيا، والجيش السوري أكثر فعالية في محاربة الإرهاب، والأسد رئيس شرعي قادر على مواجهة الإرهاب، ليشير إلى الدور الخطير للغرب بقوله إن تحالف واشنطن لمحاربة الإرهاب و"داعش" غير فعال، لأنه لا يستند إلى شرعية مجلس الأمن، وهو لن يكون فعالاً دون مشاركة سورية وجيشها وحكومتها بقيادة الأسد...

إنها آخر طبعة من الرسالة الروسية حول دور سورية.. فهل من يعتبر؟