رجّح العامل الروسي كفة محور المقاومة، وأثار الدخول الروسي العسكري إلى الميدان السوري تساؤلات حول تأثيراته الإقليمية المحتملة على لبنان، لا سيما على الفراغ الرئاسي الذي ظنّ الجميع أنه سينتهي في شهر أيلول الماضي كأحد مفاعيل توقيع الاتفاق النووي الإيراني.

عززت المشاركة الروسية موازين القوى في سورية التي فرضها صمود حزب الله والجيش السوري في الحرب ضدّ الإرهاب وتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية، حيث اقتحمت الطائرات الروسية العسكرية الأجواء السورية لمساندة الجيش السوري وحزب الله، بعد سنوات من فشل الرهانات الأميركية من جدوى الحرب السورية التي لم ينجح تكتل غالبية الدول الغربية والخليجية والإقليمية من إسقاط الدولة السورية ولا ضرب شرعية الرئيس بشار الأسد. وأظهرت المساندة الروسية أنّ الأسد باق رئيساً للجمهورية طيلة ولايته على رغم كلّ المحاولات التي انتهجتها الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وقطر والسعودية و"إسرائيل" لإسقاطه.

وإذا كان التحرك الروسي سيحدث تغييرات في المسرح السوري، فإنّ من شأن هذه التغيّرات أن تنعكس على الواقع اللبناني، وهذا ما يجعل رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مرتاحاً أكثر من أيّ وقت مضى إلى خياراته الوطنية والإقليمية، فهو ينتمي إلى المحور الذي ينتصر في المنطقة، ومجريات الميدان تجعله أقرب إلى قصر بعبدا، ويحظى بدعم كبير من حليفه الاستراتيجي المقاوم حزب الله الذي أكد أمينه العام أنّ الفرصة لانتخاب الجنرال في الرئاسة ستزيد وحظوظه باتت أقوى، فضلاً عن دعوة الأمين العام لحزب الله في ذكرى الشهداء القادة في شباط الماضي، "اللبنانيين إلى تدبّر مستقبلهم، لا يصنع المستقبل الغائبون عن الصراع، والمنكفئون عن المبادرة، والمنتظرون لما ستسفر عنه الخرائط التي ترسم على طاولة الكبار"، في رسالة علنية للعماد عون تدعوه إلى التمسك بحقوقه، لأنّ الظروف مواتية، ورسائل إلى الحلفاء والخصوم بقدر ما هي للأطراف الدولية الاقليمية أنّ حزب الله يتبنّى خيارات عون ومتمسك بترشحه.

أصبح مؤكداً أنّ بقاء الرئيس الأسد رئيساً لسورية يعني انتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية، فالرجلان تبادلا في الأسابيع الأخيرة وأكثر من مرة رسائل الدعم والتأكيد، أنّ الرهان الاستراتيجي على اللحظة المقبلة هو رهان متبادل، ومن بين هذه الرسائل تلك الرسالة التي نقلها المستشار الإعلامي للجنرال الصحافي جان عزيز بعد زيارته العاصمة السورية، وتؤكد ثقة الأسد الكبيرة بعون ودعم وصوله إلى قصر بعبدا. يُضاف إلى ذلك اللقاء الذي جمع في العاصمة الفرنسية الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أبلغ هولاند أنّ طهران لن تناقش الملف الرئاسي اللبناني مع أحد، وأنّ الانتخابات الرئاسية شأن داخلي يعني اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، وبمعنى آخر دعا روحاني الفرنسيين إلى التفاهم مع حزب الله وعون.

إنّ قراءة جنرال الرابية للتطورات المفصلية والنوعية في المنطقة عزّزت صحة خياراته الاستراتيجية التي اتخذها في مواقيتها، حفاظاً على الوطن لبنان وعلى المكوّن المسيحي فيه وسائر المكونات معاً، فالجمهور المسيحي يدرك مدى المرارة والظلم إذا انكسر عون، واستطلاعات الرأي التي أجريت في الأونة الأخيرة وحصل خلالها العماد عون على 55 في المئة من أصوات المسيحيين مقابل 45 في المئة لخصومه، تأتي جراء حمل عون بصلابة خيار المشرقية المسيحية والدفاع عن المسيحيين في الشرق.

عندما يرى عون أنّ خط المقاومة والممانعة في المنطقة قد تعزّز ولم تعد الفوضى ضاربة جذور العالم العربي ووقفت مضارّها التي حلت بهذا الوطن على أبواب سورية الصامدة بفعل صمود الرئيس الأسد والجيش السوري والمقاومة في لبنان، من الطبيعي أن يكون الجنرال قد خلص إلى "أنّ هذا الخيار الاستراتيجي وهذا النهج يحمي الأوطان والمكونات فيه لأنّ ما سُمّي يوماً بـ"الفوضى الخلاقة" أطاح بكلّ تنوّع مما يسمّى الوطن العربي وهو وطن منقسم إلى دول لم ترتق إلى مصاف ما يشبه الاتحاد والكلمة الواحدة في قضايا مركزية يفترض أن تهمّ هذه الدول كقضية فلسطين وحق العودة ونزوح الشعوب عن أوطانها.

فهل حان وقت قطاف العماد عون ثمار تحالفه مع محور المقاومة، فهو لم ينأ بنفسه لحظة على مدى أربع سنوات عن دعم حزب الله في الحرب ضدّ الإرهاب في القصيْر والقلمون والزبداني، ووقوفة الى جانب الرئيس الأسد في الحرب الكونية ضدّ سورية الدولة والتاريخ والحضارة...

يستعدّ التيار الوطني الحرّ للتظاهر في 11 تشرين الأول لمناسبة 13 تشرين الأول 1990، الذكرى الخامسة «لإزاحة» العماد ميشال عون من بعبدا، فهل سيقبل عون بإزاحته عن الرئاسة في عام 2015؟

الرجل البرتقالي ملتزم وثابت على مواقفه، فالرياح التي تهبّ في المنطقة كلها لصالح أشرعته، وتنازله في هذه المرحلة الفاصلة يعني انتهاءه سياسياً، ولذلك هو اليوم أمام خيارين: إما التشدّد حتى فرض وجوده على الساحة الوطنية، وإما التنازل والانتحار السياسي وكأنه ينفي نفسه مجدّداً في الداخل.

لقد رغب الرئيس الفخري للتيار الوطني الحرّ بحسب مصدر مطلع مقرّب من الرابية لـ"البناء" أن يقيم مهرجاناً حافلاً وحاشداً بشكل تظاهرة شعبية على طريق قصر بعبدا الذي كان قد أسماه "قصر الشعب"، ليقول إنّ من خرج من القصر بقوة السلاح سوف يعود إليه بقوة الحيثية الشعبية، أو بقوة الشرعية الشعبية ومن الباب الواسع، ذلك أنّ تهميش الحقوق الدستورية والوطنية للمكوّن المسيحي أمر لم يعد مقبولاً على الإطلاق حفاظاً على ما يسمّى الشراكة الوطنية.

إنّ الخلاصات التقويمية التي أجراها الجنرال وإنْ دلّت على شيء فهي تدلّ بحسب المصدر على "أنه مصمّم ومناضل ومشرقيّ ومبدئي، وأنه الزعيم المسيحي المشرقي الأول، وأنّ يديه لم تتلوثا بالفساد أو تصافحا عدواً، وهو القائد المسيحي الذي يستطيع أن يحرك شعب لبنان العظيم، كما لم يستطع يوماً أيّ زعيم ماروني آخر منذ الاستقلال حتى اليوم".

أمام كلّ هذه المعطيات يبقى السؤال: هل يستطيع أحد أن يأخذ عون بالمفرق، بالطبع لا، فلا الترقيات ولا التجنيات في موضوع الطاقة أو سائر الوزارات التي تولاها وزراء التيار الوطني الحر، أو المناورات أو الحوارات التي يتقصّد البعض التسويف فيها وتأخير الحلول، تنفع مع هذا الرجل وقد قالها جهاراً.

عرف حليفه المقاوم هذه الميزات ووقف عندها ونادى كما ينادي التيار الوطني الحر بالرئيس القوي انطلاقاً من هذه الميزات والحرص على الشراكة الوطنية الفعلية التي تمنع الاستئثار بالحكم والدولة من أيّ مكوّن كان، لكن الأمل بحسب المصدر أن يفهم الآخرون هذه المعطيات والخلاصات.

في ملف الترقيات، ليس عماد الرابية مسكوناً بهاجس 15 تشرين الأول تاريخ بلوغ قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز سنّ التسريح إلى التقاعد، وأنه لا يحرّك الدنيا ويقيمها ولا يقعدها لشخص العميد المستحق بل لأنه مستحق، ولأنّ الممثل الأقوى للمكوّن الذي ينتمي إليه قد رشحه لموقع عسكري يليق به ويليق هو بالموقع.

قال عون لاءاته الثلاثة: لا للمقايضة، لا لجائزة الترضية ولا للرشوة الوظيفية، ما يعني أنه لن يقايض موقعاً مستحقاً بأيّ تنازل في موضوع دستوري أو ميثاقي كالرئاسة أو آلية عمل الحكومة أو ما شابه من مفاصل واستحقاقات دستورية وميقاقية، كما أنه لا يستعطف شيئاً من أحد في موضوع الترقيات، كلّ ما في الأمر أنه طلب أن تمارس الحكومة صلاحياتها الدستورية بمقتضى المادة 65 من الدستور بتعيين قائد جيش جديد ورئيس للأركان وسائر أعضاء المجلس العسكري، هذه المواقع التي شغرت ببلوغ شاغليها سنّ التسريح وبعضها منذ زمن، فأتت القرارات الوزارية المتهوّرة بتأجيل التسريح لتشكل سابقة خطيرة ومخالفة كبرى للدستور والقانون، وبالتالي أصبح بعد ذلك متلقفاً وليس مبادراً لحلول وتسميات ومقاربات ينظر اليها من باب الحق ومن باب المؤسسة العسكرية معاً، فهو لا يرتضي لنفسه كما لا يرتضي مرشحه ما يسمّى بالرشاوى الوظيفية أيّ مجرد الترقية للترقية، ولذلك لن نقع، بحسب المصدر المقرّب من الرابية، مع العماد عون في الابتزاز في مثل هذه المواضيع، فمن يراهن على إنهاكه واستهلاك قواه بقرب تاريخ تسريح روكز لا يعرف جنرال الرابية، ذلك أنّ هذا الأمر يزيده تصميماً وتحكماً بحقوق المكوّن المسيحي الميثاقية والدستورية بمجرد أنه لا يزال مستهدفاً لأنه صاحب رؤية ومشروع واستراتيجية.

أما بالنسبة إلى الحوار، فالأمر مرتبط بما سيحصل اليوم الاثنين - أيّ قبل الحوار- من تطورات، فإنْ رأى تبديلاً في أسلوب التعاطي مع حيثيته الشعبية الأوزن، شارك في الحوار، وإنْ رأى التسويف والمناورة والتجنّي أسياد الموقف أحجم عن الحضور، فعدم حضوره شخصياً جلسات الحوار أمر ذو دلالات كبيرة.