ربما كانت خشية إسرائيل في مكانها يوم ذهب رئيسُها الى موسكو لا ليتمعّن في خريطة التحرّك الروسي في المنطقة، بل ليضمن عدم وصول أيٍّ من أسلحتها المتطوّرة الى حزب الله على طبقٍ من ذهب. خاب بنيامين نتنياهو مجددًا، فبعد “الكورنيت” بات عليه أن يفكّر قبل أن يخلد الى نومه كلّ ليلة بالـ “أس إي 22” والـ”ياخونت” وسواهما من الأسلحة التي تذيّلها حروف روسيّة كبلاد منشأ.

لا تزال صورةُ استهداف حزب الله للموكب الإسرائيلي في مزارع شبعا شاخصة أمام عيون المسؤولين الإسرائيليين قادة أركان وحكّامًا. يومها بحث هؤلاء كثيرًا عن سرّ ذاك الصاروخ المخيف ليجدوا أنه ما هو إلا “كورنيت” روسي وصل الى حزب الله بشكل أو بآخر. بعد اليوم، لن يحار الإسرائيليون كثيرًا بعدما وصلتهم أصداء امتلاك حزب الله صاورخًا من نوع آخر مصدره موسكو أيضًا ولكنّ قدراته تكاد تكون خارقة لدرجة شلّ قوة العدوّ الجويّة في طلعاتٍ مُحدّدة.

محاولات ردع غير مضمونة

في الحادي والعشرين من أيلول الفائت، كانت مَهمّة نتنياهو، المترنّحة شعبيّتُه في الداخل، واضحة وضوح الشمس. لم يستَعيِب الرجل قولها على مسامع الرأي العام الإسرائيلي وأمام حليف عدوّه في موسكو: من الضروري تجنب وقوع السلاح في يد حزب الله. ربما كان ما ضرب قد ضرب وما هرب قد هرب إذ يمكن لمتمعّنٍ في التصريحات الإسرائيلية “المرتجفة” أن يستنتج فرضيّة مفادُها أن “السلاح متى بلغ مخازن حزب الله فعليًا، إنما بلغها منذ ما يفوق الأشهر الستّة بناءً على كلام الإسرائيليين أنفسهم، أي حتى قبل أن تفوح رائحة أيّ تدخّل روسيٍّ عسكريّ في سورية. ولكن يبدو أن اطّلاع الإسرائيليين على قدرات ذاك الصاروخ هو ما دفعهم الى الذهاب الى المنبع بغطاءٍ أكبر من حزب الله في محاولات ردعٍ سياسيّة غير مضمونة.

فشل استخباري

ليس خافيًا على أحد أن حزب الله يعمل جاهدًا على تعزيز ترسانته العسكرية من بوابتي الهجوم والردع تحسبًا لأيّ غدرٍ إسرائيلي. وسواء امتلك الحزب تلك الأسلحة التي تلمح اليها المزاعم الإسرائيلية أم لم يفعل، يبقى الثابت أن جناحه العسكري في الميدان لا يقف متفرّجًا او يكتفي باستقرارٍ كمّي ونوعيٍّ في الأسلحة التي في حوزته، خصوصًا أن مغانمه العتادية من المعركة السورية قد تكون ثقيلة لا سيّما بعد دخول روسيا بكلّ قوّتها على الخطّ جوًّا وبرًّا حتى لو كانت الصورة لا تلتقط حتى الساعة سوى دخان الغارات. يعلم كلُّ قارئ في كتب الحزب العسكريّ، وهي كتبٌ مغلقة إلا لمعايشيها على الجبهات، أن كلّ مجهودٍ ودعمٍ نوعيَّين في هذا المجال من شأنهما أن يُرسيا تعديلاً ملحوظاً ومطلوبًا في ميزان المواجهة لا سيما البريّة منها وهي نقطة قوّة الحزب، واليوم صحّةُ امتلاك الحزب لمنظومة روسيّة جديدة تضمّ “أس إي 22” و”ياخونت” وفاتح 110 وطائرات هجومية بلا طيار تبدّل المشهديّة ومعها الهواجس لا محال، وليس من دليل أقوى على ذلك سوى وقوف نتنياهو على منبرٍ أممي ليسجّل لبلاده “فشلاً استخباريًا جديدًا” حتى باعتراف أهل البيت (رئيس حزب إسرائيل بيتنا افيغدور ليبرمان).

بين الردع المتوازن والمفاجأة

يؤكد الخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط لـ”صدى البلد” أن “مُراقب مجريات الأحداث المتصلة بحزب الله يعرف أنه لا يوفّر فرصة لامتلاك سلاحٍ جديد من أجل تنمية قدراته العسكرية والدفاعية، وبالتالي يلتزم الحزب في مسألة الإعلان عن سلاحه سياسة ذات فرعيْن: الفرع الأول يكمن في الإعلان عن بعض ما يمتلك من سلاح في سبيل تعزيز معادلة الردع المتوازن من باب إعلام الخصم بحجم قدراته. والفرع الثاني قائمٌ على حقيقة أن حزب الله يعمل أيضًا على قاعدة أن الحرب مفاجأة فيحتفظ بجزء من سلاحه المتطوّر بعيدًا من الأضواء ليحقّق المفاجأة باستخدامه في حالة الحرب، كما في العام 2006 حيث كان أحد أهمّ الأسباب الكامنة وراء نصره تعويله على عنصر المفاجأة العسكرية. وبناءً عليه، امتلاك حزب الله لمنظومة دفاع جوّي أمرٌ غير مستبعد، ولكن ليس من مصلحته أن يُفصِح عن طبيعة هذه المنظومة التي بات يمتلكها والتي بدأ إظهار بعضٍ منها في العام 2006 عندما أسقط طائرة هيلكوبتر بصاروخ فوق ياطر. وعلى هذا الأساس إمكانية امتلاك حزب الله لصواريخ “أس إي 22” قائمة، أما إعلانه عن امتلاكها فمتروكٌ لتدبيره وحساباته المشطورة بين معادلة الردع المتوازن والمفاجأة”.

سياسة لتحقيق هدفين...

وما إذا كان كلام نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة مجرّد لعبة إعلامية-نفسيّة يتلقف حطيط: “هذا الكلام ليس حربًا نفسيّة بقدر ما هو سياسة إسرائيلية لتحقيق هدفين أولهما تسويغ الأفعال الوحشية في الضفة الغربية وحرف الانتباه عنها وإظهار أن إسرائيل ضحيّة تتعرض للهجوم من كلّ مكان، وثانيهما التشويش على الموقف الروسي في هذه الأيام الحرجة والحاسمة في سورية”. وفي ماهيات زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الى موسكو وربطها بخشية إسرائيل على أمنها من حزب الله وأسلحته النوعية، يؤكد حطيط أن “زيارة نتنياهو لبوتين بدت أشبه باستطلاع لتلمّس حجم الدعم الذي ستقدمه موسكو في المعركة السورية، ويعرف نتنياهو مسبقًا أن روسيا متى قررت منح المقاومة دعمًا عسكريًا فإن قرارها يكون نهائيًا وغير قابل للمساومة. وإسرائيل تعلم أيضًا أن السماء السورية مع وجود الروسي فيها باتت سماء مرزوعة بالألغام في وجهها خصوصًا في محيط دمشق ونحو الشمال”.

كيف وأين ومتى؟

حزب الله يشغل إسرائيل مجددًا. هو لم يتوقف يومًا عن شغلها لا سيما بعد اختبار قوّتَي الهجوم والردع لديه في تموز 2006. اليوم يأتي الحضور الروسي القوّي في سورية ليعزّز هذه التوجّسات الإسرائيلية ومعها ترسانة حزب الله ومخازنه التي قد يذهب بها قريبًا الى ما بعد بعد بعد الـ”أس إي 22” والياخونت... الى ما لن يفهم الإسرائيليون كيف امتلكه أبناء المقاومة ومتى وأين...

كادر

“أس إي 22” (بانتسير أس 1)

يُعدُّ الـ “بانتسير أس 1” (حسب التعبير الروسي) نظام دفاع أرض-جو قصيرًا ومتوسط المدى، روسي الصنع تولى تصميمه مكتب صناعة الأجهزة (KBP Instrument Design Bureau). يتّسم بكونه نظامًا يدمج بقوة بين سلاح مدفعيٍّ مضاد للطائرات وقذائف أرض جو، ما يمنحه سمة حماية المنشآت المدنية والعسكرية المختلفة وتغطية الأنظمة الصاروخية المضادة للجو المتوسطة وبعيدة المدى، ومجابهة كل أنواع التهديدات المعادية سواء كانت طائرات مقاتلة، مروحيات، طائرات من دون طيار أم صواريخ كروز، ناهيك عن تدمير الأهداف البرية والبحرية ذات الدرع الخفيفة، وذلك على مديات تصل إلى 20 كيلومترًا وارتفاع حتى 15 كيلومتراً. يمتلك النظام قدرةً هائلة على إطلاق النار في حالة الحركة والتوقف إضافة الى متابعة 20 هدفًا في الوقت نفسه وإطلاق صواريخ على 4 منها يصل مداها الى أكثر من 300 كيلومتر. هذا وتلامس سرعة الصاروخ 1300 م/ث. ويمكن تنصيب النظام في وضعيات ثابتة أو على عربة مدولبة أو مجنزرة (المصدر: توليفة من ويكيبيديا والميادين).