لم يسجل رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ في سجله السياسي مرة انه تراجع عن حلف او عهد قطعه. معروف عنه انه يصادق او يحالف علناً حتى النهاية، ويخاصم ايضاً ضمن قواعد اللعبة السياسية.

يذكر اللبنانيون جيداً التوبيخ الذي وجهه رئيس "المردة" لأحد أنصاره الذي خالف تعليماته وشارك في اشكال ضد مناصرين لحزب "القوات". يومها نزل فرنجية مسرعاً بسيارته من بنشعي الى ساحة زغرتا، وترجل طالباً من أنصاره عدم الاحتكاك مع أحد تحت طائلة فصلهم او معاقبتهم. كان تصرف "البيك" ينمّ عن وعي سياسي ومسؤولية وطنية منعت زغرتا والشمال وحتى لبنان من الانزلاق نحو النزاع أو الثأر المتبادل.

عندما شارك زعيم "المردة" بحوار مسيحي للأقطاب الاربعة رعاه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لم يعر فرنجية اي اهتمام لمن انتقد جلوسه على الطاولة قبالة رئيس "القوات" ​سمير جعجع​. اساساً هو صاحب مقولة "ما الكن عند القوات قد ما إلي عندن"، في إشارة منه الى مجزرة إهدن وما تبعها ايام الحرب اللبنانية، وإصرار "البيك" على تجاوزها. بذلك كان فرنجية يؤكد مضيه بالانفتاح السياسي لعدم توريط المسيحيين بمزيد من الصراع الذاتي، او التأثير السلبي على الشمل الوطني.

صحيح أنّ فرنجية كان حينها يقدم هدية للبطريرك الراعي بحضوره "حوار الأقطاب" تحت عباءة بكركي، بعد اشكالية العلاقة بين زغرتا والبطريركية المارونية خلال عهد البطريرك نصر الله صفير، لكن الصحيح أيضاً أنّ فرنجية طوى مرحلة حرب وصراع وفتح مرحلة حوار ولقاء وكرّس نفسه قطباً اساسياً.

لم تتطور العلاقة الى حد المصالحة الفاعلة بين "القوات" و"المردة" غير ان الاحتكاك الإيجابي بين الطرفين حصل في اكثر من محطة، ومنها خلال اجتماعات التنسيق او صياغة القانون الانتخابي. فأظهر تيار "المردة" مرونة وقدرة على التفاعل السياسي وتجاوز الخلافات. هذا ما أبداه أيضاً حزب "القوات" في التعامل مع ممثلي "المردة".

لم يُظهر فرنجية اي توتر في العلاقة مع رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون. أبقى نوابه في التكتل الذي يرأسه "الجنرال". حافظ على استقلالية تياره، وبقي يصرّ على الانطلاق من موقف عون لتحديد مقاربة انتخاب رئيس الجمهورية. تباين الفريقان في أمور عدة، لكن موضوع الرئاسة عند فرنجية كان الخط الاحمر، لا ينفك موقفه النهائي عن رأي "الجنرال".

في منطقته الشمالية لم ينفصل زعيم "المردة" عن واقع ديموغرافي بأكثرية اسلامية سنية في طرابلس-جارة زغرتا وركيزتها التجارية والمعيشية، او الضنية وعكار. لم يعادِ فرنجية هذا الواقع، رغم كل الضجيج السياسي الذي اجتاح لبنان منذ عام 2005.

عندما قُطعت خطوط التواصل بين "المردة" و"المستقبل"، كان ذلك لاعتبارات تتعلق برئيس التيار النائب ​سعد الحريري​. اساسا كان فرنجية اكثر من سهّل له تأليف الحكومة. لم يقف يومها عند حقيبة او شرط. المهم عنده كان تحقيق الوفاق السياسي. يعرف "الشيخ سعد" ذلك جيدا ولا ينكر سهولة التفاهم مع "سليمان بيك".

يرتبط فرنجية بعلاقات قوية مع حلفائه، هو على اتصال دائم مع حركة "امل" و"حزب الله". لم يحصل اي تباين يذكر بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، بل كان يسعى لرأب اي صدع في العلاقة بين الرابية وعين التينة. كان يسأل: "ما معنى الإشكال مع بري؟ ولماذا؟" بدا ان الكيمياء ممتازة بين بنشعي ومقر رئاسة المجلس النيابي ولا تزال. لا الزيارات ولا الاتصالات تنقطع بين فرنجية او نجله طوني ومعاون بري وزير المال علي حسن خليل.

نكهة خاصة تميّز علاقة فرنجية بالقوى السياسية. هذا ما عبر عنه رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط. منذ اشهر زار "زعيم التقدمي" بنشعي يرافقه نجله تيمور. للزيارة مغزى وابعاد في تشييد مرحلة جديدة رغم الخلاف على مقاربة الملف السوري. منذ اشهر مضت أظهرت دراسة إحصائية سرية وصلت نتائجها الى بنشعي ان شعبية فرنجية تزداد. اللافت ان مؤيديه يتوزعون على كل الطوائف والمناطق، عدا عن الحيثية المقبولة التي يملكها مسيحياً. هو احد الأقطاب الاربعة ورئيس تيار سياسي له تمثيله في المجلس النيابي.

في الآونة الاخيرة تحسنت علاقة رئيس "المردة" بحزب "الكتائب". باتت تربط فرنجية برئيس الحزب النائب ​سامي الجميل​ علاقة جيدة. هما تبادلا الزيارات على صعيد تكريس مرحلة تقارب قد تؤدي الى تفاهم. من هنا كان تعليق احد السياسيين المسيحيين بأن "ما يجمع المردة بالكتائب اليوم اكثر مما يجمع التيار الوطني الحر بالقوات". هي دلالة على امكانية ترجمة التقارب العائلي برسم خيوط سياسية مشتركة.

لا تضع العواصم الخارجية كموسكو وواشنطن وباريس فيتو على ترشّح فرنجية للرئاسة في لبنان. ولا تعرقل طهران ولا الرياض طريق رئيس "المردة" الى بعبدا. بالطبع علاقة فرنجية مع دمشق مميزة كما يجاهر، ما يعني انه يجمع المؤثرات الخارجية على دعم ترشحه، وان كان العنوان العلني عند معظم العواصم هو "المهم انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان". ضمنيا يشكل فرنجية نقطة تلاقٍ لا تستفزّ احداً، بل هو قادر على التكامل مع الرئاسات الاخرى خصوصاً في حال تبوأ الحريري رئاسة الحكومة. هذا ما طُرح من عناوين في الايام القليلة الماضية تحضيراً لمشروع التسوية.

بغض النظر عن لقاء حصل ام لم يحصل في باريس بين فرنجية والحريري، مع العلم ان التواصل بينهما قائم، لا فيتو أيضاً لـ"المستقبل" على رئيس "المردة". في حال اتخذ الحريري قراره النهائي بعد جوجلات تجري الآن في العاصمة الفرنسية، بتبنّي فرنجية للرئاسة من ضمن التسوية الشاملة، فيكون رئيس "المردة" قد جمع أصوات الأكثرية مبدئياً.

يبقى فقط انتظار موقف عون. هو ما يهم فرنجية بشكل أساسي. قد يكون "الجنرال" محرجاً امام ترشيح "البيك". رئيس "المردة" وقف الى جانب رئيس التكتل في السنوات الماضية، وكان مستعداً لانتخابه رئيساً لو تحقق النصاب وتأمّنت الأصوات. لم يترك فرنجية "الجنرال" يوماً منذ تأسيس التحالف بينهما، وبقي يجاهر ولا يزال في الاعتراف به زعيماً اولاً للمسيحيين وان لعون الفضل في تغيير الوجهة الاستراتيجية عند المسيحيين في لبنان، لا بل يقول فرنجية دوماً ان عون هو زعيم مشرقي يمتد حضوره ووهجه الى خارج لبنان.

عملياً يقول فرنجية الحقيقة. كل الإحصاءات تؤكد ان "الجنرال" صاحب الأكثرية المسيحية منذ سنوات مضت حتى الآن. ومن هنا يُرصد موقف عون. ماذا سيقرر ان تبنت الكتل الاخرى بمن فيها "الكتائب" ترشيح رئيس "المردة"؟

هل يرد عون الوفاء بالوفاء؟ معروف ايضاً عن "الجنرال" صدقه وعدم المواربة. ام في الرابية حسابات محقة ورؤية مختلفة وظروف قد تتفهمها بنشعي بالإصرار على مضي "الجنرال" بالترشح؟

ماذا عن موقف "حزب الله" حليف التيارين معاً؟ لم يبتعد يوماً فرنجية عن الحزب. دافع عنه في أصعب الظروف، واعلن انحيازه التام لسياساته الاستراتيجية. لكن يبدو أيضاً ان الاحراج يصيب "حزب الله" ان لم يحسم عون خياره بدعم فرنجية. هنا الإشكالية تنحصر في الصف الواحد لا غير. لكن في حال كان هذا هو المخرج الوحيد، هل يمضي "التيار الوطني الحر" بالتسوية؟ انها اللعبة الديمقراطية التي يحق فيها الرفض او التأييد، لكن السلبية قد تشكل سبباً آخر لتيار "المستقبل" أو حلفائه للقول ان "التيار" يعطّل التسويات. لا يقتصر الامر هنا، بل سيؤدي حُكماً الى شرخ عميق بين بنشعي والرابية.

اذا تمّ الاستناد الى مواصفات الرئيس التي تم الاتفاق عليها على طاولة الحوار فهي تنطبق على فرنجية أيضاً، كما تنطبق على عون بطبيعة الحال، وجعجع ورئيس الجمهورية السابق امين الجميل أيضاً، في حال وافقت المكوّنات على ترشيح اي منهم على قاعدة ان لا استفزاز لأحد.

ايام فاصلة في تحديد مسارات سياسية وانتخابية للانطلاق الى تكملة اجزاء السلة التي ستشمل قانون الانتخابات والحكومة. هنا تكمن المطالب الجوهرية التي لا تقل اهمية عن ملف رئاسة الجمهورية. عند تلك العناوين سيجري تفصيل التسوية. فهل ينجز اللبنانيون التفاهم الكبير؟ ام يبقى لبنان معلقاً على حبل الانتظار تحيط به مخاطر إرهابية حالياً ومصالح إقليمية مؤجلة؟