في العام 1999، توعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق ما أشارت إليه صحيفة "البرافدا" الروسية، بـ"ملاحقة وقتل الإرهابيين حتى ولو كانوا في مراحيضهم".

يومها نفّذ بوتين تهديده، وعمل على تصفية العديد من أمراء الحرب الشيشانيين.

هذه المرة جدد سيد الكرملين وعيده الذي ارتفعت لهجته بعد حادثة الطائرة الروسية في شرم الشيخ. بدايات هذا الوعيد لم تكن في إعلان المواقف وتصعيد اللهجة، إنما في الميدان على "مساحة العالم"، إن جاز التعبير، من خلال إرسال الصواريخ بعيدة المدى من القوقاز وبحر قزوين إلى مواقع التنظيمات الإرهابية المسلحة، حيث أصابت أهدافها بدقة متناهية، وخروج الطائرات الروسية الاستراتيجية من قواعدها في روسيا، والتحليق بشكل متواصل، دون أن تتمكن القواعد الأطلسية والأميركية من كشفها، لتدكّ أهدافاً للإرهابيين في الرقة ودير الزور وإدلب وريف اللاذقية الشمالي، وتعود بعدها إلى قواعدها سالمة غانمة، وفي ذلك رسالة عميقة في معانيها وأهدافها، تفهّمتها الولايات المتحدة جيداً، والتي عمدت على إثرها إلى سحب الدرع الصاروخية من تركيا، بعد أن كانت قد نشرتها قبل نحو عامين لتطمئن رجلها رجب طيب أردوغان، المندفع في حربه ضد الدولة الوطنية السورية إلى أقصى مدى، وتوفيره كل التسهيلات العسكرية واللوجستية، وطرق الإمداد بالعديد والعتاد والتموين لتنظيم "داعش"، بالإضافة إلى تسهيل التمويل المالي للتنظيم الإرهابي، من خلال سرقة النفط السوري والعراقي وتسويقه عبر الموانئ التركية بواسطة شركات ومافيات تركية.

ويبدو أن أتباع واشنطن - السعوديين والقطريين والأتراك - لم يستوعبوا الدرس، ولم يفهموا أبعاده الاستراتيجية، فلجاءوا إلى التصعيد بأشكال مختلفة، ومنها تزويد الإرهابيين بصواريخ أرض - جو متطورة، تم استحضارها من مستودعاتهم، أو عبر شرائها من أوكرانيا، فكان إسقاط "السوخوي-24" الروسية على الحدود السورية - التركية، بما وُصف باعتداء تركي مباشر، خصوصاً بادعاء أنقرة أن الطائرة الروسية اخترقت المجال الجوي التركي، وهو ما نفته وزارة الدفاع الروسية.

وهنا قد يكون ضرورياً العودة إلى ما أوردته "البرافدا" بتأكيدها أن "الهجمات الصاروخية التي نفذتها روسيا في سورية، باستخدام القاذفات الاستراتيجية والغواصات، تعطي إشارة تحذير للدول التي تدعم الإرهابيين".

ووفقاً لما أشارت إليه "البرافدا" فإن روسيا ستمضي في مكافحة الإرهاب، فتقول: "في مجال مكافحة الإرهاب، روسيا ستقوم بالتصرف وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تضمن حق الدول بالدفاع عن النفس، وفق ما صرّح به بوتين، وما أكد عليه وزير الخارجية سيرغي لافروف خلال لقائه نظيره اللبناني، حيث أوضح أن موسكو ستطبق هذه المادة بكل الوسائل والسبل العسكرية والديبلوماسية والمالية".

الجدير بالذكر هنا أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على أنه "لأي دولة عضو في الأمم المتحدة الحق في الدفاع عن النفس في حالة وقوع هجوم مسلح على تلك الدولة، إلى أن يقوم مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءاته للحفاظ على السلم والأمن الدوليين".

هذه الواقع، أي بعد استهداف الطائرة المدنية الروسية، وإسقاط "السوخوي" على الحدود التركية - السورية، سيزيد من وتيرة الضربات الروسية لمعاقل الإرهاب، وسيفسح في المجال أمام موسكو لمواقف أكثر حدة من الدول الداعمة والممولة للإرهاب.. وتقول "البرافدا" إنه "بعد الهجوم الإرهابي في سماء شبه جزيرة سيناء، يمكن لروسيا استخدام المادة 51، إما من أجل جلب الجناة إلى العدالة، أو اتخاذ تدابير أخرى ضدهم"، أي تدميرهم.

وجزمت "البرافدا" أن "قطر هي إحدى الدول المنظمة للعمل الإرهابي على سيناء".

وقالت: "في قطر والسعودية يوجد هؤلاء الذين ينظمون ويرعون الهجمات الإرهابية.. إنهم أناس هناك معروفون بإدارتهم الأنشطة الإرهابية في سورية والعراق".

هذا الموقف الروسي الواضح جاء قبل إسقاط "السوخوي" الروسية، علماً أن "البرافدا" أبدت في ذات الموضوع "استغرابها الشديد من بقاء السعودية بلا عقاب، رغم أنها واحدة من منظمي هجمات 11 أيلول 2001"، وقالت: "لم يعد بإمكان روسيا بعد الآن تجاهُل الحقيقة التي تقول إن الصراع في سورية والعراق يؤثر على مصالح موسكو الحيوية، ولا يمكن لروسيا السماح للإرهابيين بقتل المواطنين الروس، وخلال توسيع عملياتها داخل وخارج سورية يجب أن تؤكد روسيا على بناء تحالف مفتوح".

وشددت الصحيفة الروسية المقرّبة من مراكز القرار في الكرملين على أنه "حان الوقت لرفع القضية إلى الأمم المتحدة من أجل إنشاء محكمة دولية تقاضي حكومات تركيا وقطر والسعودية بجرائم القتل الجماعي لتورطها في الإرهاب".

بأي حال، بعد الاعتراف التركي في بيان رئاسي، قبل وزارة الدفاع بإسقاط "السوخوي"، يعني أن رجب طيب أردوغان مُصرّ على المضي في مغامراته التي تتلاقى مع المغامرات السعودية في سورية والعراق واليمن ولبنان، علماً أن الرياض تحضّر مع وزارة الخارجية الأميركية لتوحيد المعارضات السورية، خصوصاً تلك الموجودة في أنقرة والدوحة والسعودية، أو في فنادق 5 نجوم في عواصم الغرب على نفقة الرياض وقطر.

أحمد زين الدين