جديدُ الحوار الوطني ليس المكان الذي اعتاده المتحاورون بعد نقله من البرلمان الى عين التينة، ولا غياب عون الذي سُجِّل في أكثر من جلسة وناب عنه أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح ابراهيم كنعان، ولا مقاطعة الكتائبيين الذين سبق ولوّحوا بعد الجلسة التشريعية الأخيرة بمقاطعة شاملة، ولا انسحاب جنبلاط لأسباب مجهولة وهو ما بات عراب الحوار يتوقعه... كلّ ذلك لم يحمل عنصر الجِدّة بالنسبة الى حوار بات أشبه بجلسات شغور شأنها شأن الحالة التي تستوطن قصر بعبدا، ترمي القانون الانتخابي في ملعب اللجان، و”تنقّ” على العمل الحكومي، وتنقل صورة “قرف” من شوارع النفايات، وتتغنى في كلّ جلسةٍ بـ”إنجاز” الانتهاء من المواصفات.

ما الفارق؟ في المشهدية العامة المبنيّة على “ممجوجاتٍ” وطنية لا علامة فارقة في هذه الجلسة التي أرجئت الى 14 كانون الأول المقبل من دون أن يسجّل بيانُها محطاتٍ أو مواقف أكثر غنًى من نُظرائه في الجلسات السالفة. بيد أن بعض التزامنات خدمت هذه الجلسة بالذات وجعلت نتائجها ومواقف الخارجين منها مرتقبة لا على المستوى الحكومي الطاغي بل على صعيد “كلام الكواليس” الذي ألمح اليه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

خرج عن صمته...

لا تكمن أهمية جلسة البرلمان المنقولة الى عين التينة في تأكيد البيان مناقشة أمور الرئاسة والعمل الحكومي وترحيل النفايات، بل في ما سبق تلك الجلسة بساعاتٍ وأيامٍ من لقاءاتٍ شكّلت دارة الرئيس سعد الحريري محطتها وكان أبطالها حتى اليوم سليمان فرنجية ووليد جنبلاط وسامي الجميل في اجتماعاتٍ مُغلقة خيّم عليها الجوّ الرئاسي والتسريبات المرتقية بتبني الحريري خيار فرنجيّة للرئاسة المهزومة. لم يكن طرحُ موضوع فرنجية بهذه “الفجاجة” على ما عملت “​صدى البلد​” إلا أن بعضهم لم يكن ليترك الموضوع عالقًا في حنجرته فكانت تلميحاتٌ جمّة دفعت سليمان بكّ الى الخروج عن صمته للمرة الأولى بعد اللقاء الباريسي الدافئ ليوجّه رسالتين جليّتين في اتجاهين معاكسين: أولاهما تقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر بينه وبين العماد عون كما وعلى كلّ الفرضيّات القائلة إن فُخًّا يُحضَّر له للإيقاع بينه وبين عون، وثانيتهما لحليفه عون أولاً ولباقي أفرقاء 8 آذار ثانيًا مفادُها أنه مرشّحٌ جدّي في أي وقت وفي أي مرحلة وإن بقي ترشيحه حتى الساعة معنويًا لا رسميًا. كان بديهيًا أن يؤكد رجل بنشعي أن العماد ميشال عون هو مرشّح 8 آذار حتى هذه اللحظة، وفي ذلك إيحاءان تحملهما عبارتا “حتى هذه اللحظة” و”8 آذار”، بحيث إنه لم يحصر ترشيح عون في تياره بل في فريق ينتمي اليه، كما ولم يمنحه عهدًا أزليًا. وفي المقابل، كان لا بدّ من إكساب شخصيّته المتبلورة أكثر فأكثر في الأضواء وفي الكواليس الغربية مزيدًا من القوّة بفرض نفسه مرشّحًا معنويًا دائمًا من خلال عدم دحضه ما يُحكى عن تسويةٍ هو بطلها... كلُّ ذلك لم يكن رسميًا. أما ما قبل الجلسة فخلواتٌ بدت أبرزها تلك التي جمعت برّي وفرنجية في محاولةٍ من الأول لجسّ نبض الثاني والحصول على الخطوط العريضة للقاء الباريسي الشهير.

أرادها فرصة

لا ترضي “برودة” فرنجية التيار الوطني الحرّ ولا يغنيه عن كثير من التساؤلات تثبيته المُثبَت نظريًا والقائم على التمسّك بترشيح عون للرئاسة مع اليقين المسبق بأنه مجرّد ترشيح معنوي يرضي عون الثمانيني من دون أن يُؤخذ على محمل الجدّ بعدما وضعت السعودية “الفيتو” عليه يوم كانت حظوظه في أوجها. في النتيجة، أرادها فرنجية فرصةً. اتخذ من باحة عين التينة مسرحًا له بعدما أنهى الحوار “الفقير” في محطته الحادية عشرة فصلاً جديدًا من فصول الإرجاء غير المجدي. أرادها فرنجية على هذا النحو. أراد أن يكون بطل المشهدية الحوارية في مطلعها كما في خاتمتها، فكان له ما أراد. لم يكن الجوّ مشحونًا في الداخل حتى من قبل المشكّكين في ما فعله الرجل في باريس. لم يحضر عون ولا سامي الجميل. لم تكن في الأمر مفاجأة، بقدر ما توقف العونيون عند “الثقة” التي منحها فرنجية فجأة الى “الفريق الآخر”... هو نفسه ذاك الفريق الذي خذل عون ذات يوم بوعودٍ واهية. هو نفسه ذاك الفريق الذي لم تعد الرابية تثق به ذَرّة ثقة.

بوابة ثالثة

في النتيجة لم تخرج الجلسة بأيّ جديد بعدما تركز البحث على العمل الحكومي المُعطّل وغير المنتظرة عودته قبل حسم حل النفايات، بقدر ما كانت ظروف التئامها جديدة إذ لم تكن الشوارع العائمة بالنفايات هي السبب، ولا مراجعة مقررات الجلسة التشريعية الماضية وتلك الموعودة هي السبب. ببساطة كانت التسوية التي تحدث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والتي وجدت أولى ترجماتها في عودة اسم فرنجية الى الأضواء الرئاسيّة لا من بوابة عين التينة بل من البوابة الباريسية ظاهرًا، وقد يكون الرجل مرّ بالبوابتين بحثًا عن بوابة ثالثة ما هي إلا بوابة بعبدا...