على الرغم من مرور أشهر طويلة على إنتهاء ولايته، لا يزال الرئيس السابق ​ميشال سليمان​ حاضراً على الساحة الإعلامية والسياسية، باحثاً عن دور يسمح له بالإطلالة على اللبنانيين، بين الحين والآخر، من دون أن يكون لكلامه أي أهمية تذكر، خصوصاً أن الشعارات التي يرفعها رافقت جميع خطاباته، خلال وجوده على رأس الجمهورية، لكن أيًّا منها لم يترجم عمليًا، لا سيما "​إعلان بعبدا​"، الذي لا يساوي، من وجهة نظر الموقعين عليه، الحبر الذي كتب فيه.

رئيس "​لقاء الجمهورية​"، لم يستطع حتى اليوم الإقتناع بأنه بات رئيساً سابقاً، وأن هناك رئيسًا جديدًا سيأتي من بعده، في وقت قريب أو بعيد، ويتصرّف على أساس أنه الرجل الأقوى في الجمهورية، مستفيدًا من حصة وزارية حصل عليها بموجب موقعه السابق، تسمح له بالعرقلة التي ينتقدها في العديد من المناسبات، لكن عليه من الآن أن يفكر بالمرحلة المقبلة، حيث سيكون هناك من ينهي الواقع القائم، على الأقل على الصعيد الحكومي، حيث لن يكون لسليمان حصة وزارية يستفيد منها.

في هذا السياق، كان بعض المراقبين يسألون بالأمس، خلال سماعهم الرئيس السابق في حفل إطلاق حزبه السياسي، عن الأسباب التي حالت دون تنفيذ برنامجه خلال 6 سنوات من ولايته، ليخرج اليوم محاضرًا في مكافحة الفساد وإصلاح النظام القائم، في حين أن الإحصاءات تؤكد بأن عهده كان الأسوأ على الإطلاق منذ توقيع إتفاق الطائف، ويعتبرون أن الرجل بدل أن يعمل على تطبيق الشعارات، التي يرفعها اليوم، كان هدفه الحصول على كتلة نيابية أو بناء زعامة سياسية مناطقية، ويشيرون إلى أن أزمته الرئيسية تكمن في فشل جهود التمديد له، بالرغم من كل المساعي التي حصلت على هذا الصعيد، من قوى محلية وإقليمية.

بالنسبة إلى هؤلاء المراقبين، كان على الرئيس السابق، الذي يتحجج بالصراع السياسي الذي منعه من تطبيق برنامجه الإصلاحي، أن يقدم على الإستقالة لحفظ ماء الوجه، لكن أن يمضي ولايته كاملة حتى اليوم الأخير، ومن ثم يخرج ليطلب التغيير والاصلاح، من موقع رئيس لقاء يحمل إسم الجمهورية، فهذا أمر لا يمكن تصوّره، لأنه لم يعد يملك أي صلاحيّة سياسيّة أو دستوريّة تخوّله القيام بأي أمر إلا الكلام الذي يغني عن جوع، ولا يعالج المشاكل، لا سيما تلك التي يسعى إلى إنكارها عن طريق قلب الحقائق والتهرّب منها.

إنطلاقاً من ذلك، يرى هؤلاء أن من الضروري التوقف عند بعض الركائز التي شدد عليها في خطابه الأخير، من أجل فهم الحقائق التي لا يمكن تجاهلها، إحتراماً لعقول المواطنين، التي تبدأ من قوله أنه "في 25 أيار 2008 انتُخِبتُ أوّل رئيس بعد اتفاق الطائف من دون وصاية واحتلال"، متجاهلاً أن هناك جزءًا من الأراضي اللبنانية في الجنوب لا يزال محتلاً، وبأنه جاء نتيجة إتفاق دولي وإقليمي، في العاصمة القطرية الدوحة لا في بيروت، لم يكن بمقدور أيّ من الأفرقاء المحليين رفضه.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر سليمان أن لبنان لم يتأثر بالأوضاع السورية، في حين أن البلاد تغرق بأزمة نزوح ليس هناك أي أفق لحلّها، بالإضافة إلى أن الإحصائيات تشير إلى أن تداعيات الحرب السوريّة أدّت إلى خسائر بمليارات الدولارات في الإقتصاد اللبناني، ناهيك عن التفجيرات الأمنية والخلايا الإرهابية التي يتمّ إيقافها بشكل شبه يومي، بالتزامن مع إحتلال جزء من الأراضي اللبنانية في البقاع من قبل الجماعات الإرهابية، ما يطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام حول مفهوم التأثّر عند رئيس سابق للبلاد.

في الإطار نفسه، يستغرب المراقبون إدعاء سليمان الدفاع عن المؤسسة العسكرية، لا سيما أنه كان قائدًا سابقًا لها، حيث تركت وحيدة في العديد من المراحل خلال عهده، أبرزها معركة عرسال التي وقع خلالها عناصر منها كرهائن، وقبلها عندما كانت موضع تشكيك من قبل قوى سياسية حليفة له في أحداث بلدة عبرا، بالإضافة إلى أن ممثليه على طاولة مجلس الوزراء كانوا قد رفضوا المعلومات التي كشفها في وقت مبكر وزير الدفاع السابق فايز غصن عن الوضع في عرسال، وبالتالي لا يمكن له الحديث عن تأمين الغطاء لها في وقت لم يضرب بيد من حديد لمنع إستهدافها سياسياً أو عسكرياً، ويسألون عن الهبات التي أعلن عن تقديمها لها من قبل بعض الدول من دون أن تصل إلى مخازنها، في حين لم يَسْعَ إلى الإستفادة من أخرى كانت تنتظر إتصالاً هاتفياً كي يتمّ شحنها.

في المحصلة، من حق ميشال سليمان أن يبحث عن دور له بعد إنتهاء ولايته الرئاسية، لكن من حق اللبنانيين أن يقدّم لهم الحقائق كما هي، وأن يعرض لهم إنجازًا وحيدًا حققه، لا سيما على مستوى الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد.