قبل أيام من الرابع عشر من شباط، يشعر قياديو كما جمهور "تيار المستقبل" بـ"يُتمٍ" غير مسبوق، يكاد يتخطّى "اليتم" الذي نتج عن اغتيال "قائدهم"، رئيس الحكومة الأسبق ​رفيق الحريري​، في الرابع عشر من شباط 2005.

وعلى الرغم من أنّ "حجم" احتفالات الذكرى بدأ يتقلّص منذ انسحاب رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ من صفوف قوى الرابع عشر من آذار، وتحوّل في السنوات الأخيرة لمجرّد "احتفالٍ" لـ"تيار المستقبل"، فإنّ "المستقبليّين" لم يشعروا يومًا بـ"ثقل" المناسبة كما يشعرون اليوم.

ولعلّ خير دليلٍ على ذلك، أنّ السؤال الذي يُطرح في أروقة "المستقبل" عشية الذكرى، ليس عمّا إذا كان "الشيخ سعد" سيحضر الذكرى كما كان الحال في العام الماضي على سبيل المثال، بل عمّا إذا كان هناك من "ذكرى" أصلاً ستُقام...

رمزية ثابتة...

ممّا لا شكّ فيه، للرابع عشر من شباط "رمزية ثابتة" في نفوس وقلوب "المستقبليين"، "رمزية" لم ولن تستطيع كلّ التقلّبات والانعطافات هنا وهناك من محوها، ولن تقوى "أعاصير" السياسة "المجنونة" على الوقوف في طريقها بأيّ شكلٍ من الأشكال.

في القاموس "المستقبليّ"، ليس الرابع عشر من شباط مجرّد تاريخٍ لاستذكار مؤسّس التيار وصانعه رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ولا مناسبة لتجديد الولاء فقط لمن دفع حياته ثمنًا لخط سياسي اختار طوعًا انتهاجه في لحظةٍ مفصليّة من تاريخ الوطن.

من هنا، يعتبر "المستقبليّون" أنّ تاريخ الرابع عشر من شباط لا يزال يشكّل بحدّ ذاته "خريطة طريق" ترسم أداءهم السياسيّ ككلّ، "خريطة طريق" رسمت معالمها الأساسية "الجريمة-الزلزال" كما اتُفِق على توصيفها قبل أحد عشر عامًا ولا تزال سارية حتى يومنا هذا.

خيانة للرفيق؟!

ولكن، ما الذي بقي عمليًا من هذه الذكرى؟ إلى أيّ مدى يمكن القول أنّ "المستقبل" بقي يسير على خطٍ مستقيم ولم يتزحزح عنه لا يميناً ولا يساراً طيلة كلّ هذه السنوات؟

الأكيد وسط كلّ ذلك أنّه إذا كان "المستقبليون" ومعهم جميع اللبنانيين لا يزالون ثابتين في نظرتهم لتاريخ الرابع عشر من شباط، فإنّ 14 شباط 2016 لا يشبه أبداً التاريخ نفسه من الأعوام السابقة. وتكمن "خطورة" الأمر بنظر "المستقبليين" أنفسهم ليس فقط بـ"صراع الأجنحة" الذي لم يعد خافيًا لأحد داخل "التيار"، بل بخروج أشخاصٍ من داخله ليتحدّثوا، بالتلميح أو المجاهرة، عن "خيانة جدية" لمؤسس التيار ومبادئه وقيمه.

ولأنّ القراءة "النقدية" حان أوانها، لا يتردّد هؤلاء عن الحديث عن أشكال ومظاهر عديدة لهذه "الخيانة" تبدأ من العلاقة مع "حزب الله"، المُصنَّف في أدبيّات "المستقبل" السياسية على أنّه إما "القاتل" أو "المتواطئ مع القاتل"، أو في أحسن الأحوال من يخبئ المتهمين بالقتل. فكلّ هذه الاتهامات، معطوفة على شعاراتٍ مذهبية رنّانة لم ينزلق "التيار الأزرق" يومًا إليها كما يفعل اليوم، لم تُثنِ "التيار" عن الجلوس على طاولةٍ واحدةٍ مع الحزب، سواء تحت عنوانٍ حواريّ أو ستارٍ حكوميّ وما إلى ذلك.

أما الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها رئيس "التيار الأزرق" ​سعد الحريري​ بترشيح رئيس "تيار المردة" ​سليمان فرنجية​ فتتصدّر القائمة من دون شكّ، إذ لا تزال رغم كلّ شيء عصيّة على الفهم والاستيعاب، أقلّه في قواعد "التيار"، العاجزة عن فهم كيف تكون "التنازلات" المفترض أنّها "متبادلة" تقضي بموافقة "ورثة رفيق الحريري" على ترشيح خصمٍ سياسي هو بالتحديد "صديق الرئيس السوري الشخصي"، وأكثر من ذلك، وزير الداخلية في العهد الذي اغتيل فيه رفيق الحريري.

أين الحلفاء؟

وأبعد من كلّ ما سبق، سؤالٌ أساسيٌ يدور في ذهن "المستقبليين" اليوم، ألا وهو: "أين الحلفاء؟"

بمنظاره، فإنّ "المستقبل" لم يعرف كيف يحافظ عليهم، من وليد جنبلاط بادئ الأمر، وله حساباته، إلى "حزب الكتائب" ممثلاً برئيسه السابق ​أمين الجميل​ ونجله رئيس الحزب الحالي ​سامي الجميل​ بعنوان "التمايز"، وصولاً أخيرًا إلى رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، بعد شعوره بـ"الغدر". وما يحزّ في نفوس "المستقبليين" أنّ المقارنة مع "الخصم اللدود"، أي "حزب الله"، لا تبدو لصالحهم أبدًا، خصوصًا أنّ الأخير بقي رغم كلّ شيء على علاقة متينة بحلفائه، بل إنّ المحاولات للإيقاع بينه وبين حلفائه كانت تنقلب على "مدبّريها".

كلّ حليفٍ من هؤلاء بات يغرّد اليوم وحيدًا في سربٍ يكاد يكون منفصلاً تمامًا عن كلّ "الأسراب" الأخرى. ففي حين يرشّح الحريري فرنجية للرئاسة، يذهب جعجع لترشيح رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، فيما يسبح الجميل "عكس التيار"، فيرفض المرشحين باعتبارهما يمثلان مشروعًا واحدًا لا يؤمن بمبادئه. ولا يقتصر الأمر عند الرئاسة، بل يذهب لحدّ المسّ بالنظام، الذي لطالما كان "مقدّسًا" عند "المستقبليين".

والأصعب من كلّ ذلك أنّ "التيار" الذي يفقد حلفاءه واحدًا تلو الآخر، ولو كابر على نفسه، لا يزال عاجزًا في المقابل عن "حصد" حلفاء جدُد بالمعنى الدقيق للكلمة، فحتى فرنجية الذي أغدق الحريري عليه بالوعود والإغراءات، لم يصل به الأمر إلى حدّ إعلان "البيعة"، لدرجة أنّه أعلن في تصريحه الأخير أنّه لن يشارك في جلسة انتخاب الرئيس من دون التنسيق مع "حزب الله"، ولو كان قادراً على تسديد "ضربة قاضية" في وجه منافسيه فيما لو شارك.

أيّ برنامجٍ للذكرى؟

صحيح أنّ أكثر من أسبوع لا يزال يفصل "المستقبليين" عن الرابع عشر من شباط، ولكن الكثير من الأسئلة باتت تُطرح في أروقتهم عن الشكل والحجم الذي ستعتمده الذكرى، علمًا أنّ "الحلفاء" يقولون أنّ أيّ دعوة لاحتفالٍ مركزي لم تصل بعد.

من الأسئلة المطروحة، ايّ برنامجٍ للذكرى؟ وبأيّ روحيةٍ؟ وأيّ عنوانٍ لخطاب الحريري فيها بعدما تحوّل أصدقاؤه إلى خصوم وخصومه إلى أصدقاء؟ وهل يحضر "المردة" الذكرى كما فعل "العونيون" العام الماضي، قبل أن تُقطع العلاقات من جديد؟

أما إذا ما كان الحريري سيحضر شخصيًا هذا العام أم لن يفعل، فقد أصبح تفصيلاً لا يقدّم ولا يؤخّر، بمنظار "المستقبليين" أنفسهم...