تتواصل المواجهة الناعمة داخل "التيار الوطني الحر" بين مناصري رئيسه وزير الخارجية ​جبران باسيل​ ومعارضيه، الخارجين حديثاً من انتخابات هيئات المناطق بنتائج تؤكد أعدادهم الكبيرة وبالتالي النقمة المتزايدة من المسار الحزبي الذي يسلكه التيار منذ فرض "تعيين" باسيل رئيسًا له الصيف الماضي. فالإستحقاق الداخلي المرتقب في الثامن والعشرين من الشهر الجاري والذي من شأنه تحديد أعضاء المكتب السياسي ومجلسي التحكيم والرقابة المالية، سيكون وكما يبدو امتدادًا للحرب بين الطرفين في ظلّ الجهود الكبيرة التي يبذلانها لتأمين أكثرية من الأعضاء مؤيدة لهم في اللجان الثلاث السابق ذكرها.

وقد نجح باسيل مرة جديدة بالاطاحة بتحضيرات أخصامه قبل أيام على الانتخابات المنتظرة، اذ أصدر مطلع الأسبوع، وبحسب مصدر معارض له، تعميما عدّل بموجبه النظام الداخلي الذي كان يعتمد مبدأ ان الأكثرية في القضاء هي التي تقرر من سيدخل الى المكتب السياسي اي ان كل قضاء يتمثل وفق حجمه في المكتب، "فارضًا النسبية التي تخدمه في هذا المجال". وقال مصدر في التيار: "هو انتهاك جديد للنظام الداخلي يقوم به باسيل غير المُخَوَّل بادخال اي تعديلات اليه، دون العودة الى المجلس الوطني القادر وحده على اتخاذ قرارات مماثلة شرط موافقة ثلثي أعضائه".

ويضمّ المجلس الوطني 357 صوتاً لمنسّقي الأقضية وممثلي المهن الحرة والطلاب والانتشار والمرأة والجامعات والمهنيّات وأرباب العمل والبلديّات، إضافة للنقباء المحسوبين على التيار والنواب والوزراء وباسيل ونائبيه. ومن أبرز مهام هذا المجلس مناقشة السياسة العامة للتيار: ادخال تعديلات على النظام الداخلي، مناقشة الموازنة، اقالة اللجان المركزية، انتخاب 6 أعضاء من المكتب السياسي و3 من المجلس التحكيمي و3 من مجلس الرقابة المالية. كما يحقّ للمجلس طرح الثقة برئيس التيار أو بنوابه شرط موافقة ثلاثة أرباع الاعضاء.

وبفرض باسيل اعتماد النسبية بدلا عن الاكثرية بانتخابات المكتب السياسي، يفقد معارضوه الأصوات الـ200 التي كانوا يمتلكونها من مجمل أصوات أعضاء المجلس الوطني الـ357 ليصبح عدد ممثليهم في المجلس حوالي 140.

وتكمن، وبحسب معارضي رئيس "التيّار الوطني الحر"، "خطورة" التعديل الذي أدخله على النظام الداخلي بـ"تثبيته مبدأ وجود كيانين متصارعين في كل قضاء ما يؤدي تلقائيا لانقسام على مستوى القاعدة وبالتالي لزعزعة أسس التيار". ويضيف المصدر: "نحن كنا نجهّز لمعركة المكتب السياسي ومرتاحون للنتائج التي سنحققها، لكن ما أقدم عليه باسيل جعل المعركة اصعب، خصوصًا وأننا خضنا انتخابات هيئات المناطق وفق تصور واضح كان يعتمد على النظام الداخلي، وها هو اليوم وبالمخالفة التي قام بها يدخلنا في متاهة لم نحسب لها حسابًا".

ويضمّ المكتب السياسي في "التيار الوطني الحر" 12 عضوًا هم الى جانب الرئيس ونائبيه، 3 يعيّنهم باسيل و3 ينتخبهم المجلس الوطني. ويهتمّ المكتب المذكور برسم السياسة العامة للتيار وبمتابعة الملفات الإنمائية والخدماتية داخله.

أما الهيئة السياسية فتضم الى الرئيس ونائبيه نواب التيار ووزراءه، وهي تراقب عمل الحكومة ومجلس النواب وتقترح مشاريع قوانين كما تهتم بالملفات الانمائية الخدماتية على الصعيد الوطني. وتنحصر مهمة المجلس التحكيمي بالنظر في النزاعات القائمة داخل التيار، فيما يهتم مجلس الرقابة المالية بالتدقيق بالحسابات والمصاريف.

الا ان "خرق باسيل لقواعد وأسس النظام الداخلي يهدد بمشاكل كبرى لا تُحمَد عقباها"، هذا ما تؤكد عليه المصادر المعارضة، مستهجنة إصراره على ضرب مبدأ الديمقراطية عرض الحائط. وتضيف: "الانتهاكات المستمرة التي يقوم بها لا تؤدي فقط لتوسّع قاعدة معارضيه، بل تهدد بتفكك التيار من الداخل وتراجع وضعه نتيجة سياساته وتعديلاته التي تغذّي فكرة النزاعات بين المحازبين، وهو أمر خطير في حال لم تتم معالجته سريعًا".

في المحصّلة، كثيرة هي التساؤلات التي تُطرح في أوساط "التيار" حول أحقية باسيل باللجوء لمثل هذه الخطوات، وما إذا كان الهدف منها عمليًا هو الإمساك بكلّ مفاصل "التيار" والتضييق على خصومه، كما يقول معارضوه، الذين يصرّون على أنّ معركته في هذا المجال ستكون أصعب ممّا يظنّ، أم أنّه بذلك يسعى إلى "تحصين" التيّار في وجه كلّ "العواصف" وجعله يتفوّق على نفسه بتطبيق النسبية، التي لطالما كانت مطلب العونيّين جميعًا، كما يقول مؤيّدوه في المقابل...