قد يبدو هذا العنوان قاسياً وغير مُحبَّذٍ عند الله، فالله محبّة وتسامُح، والغفران سمة من سمات الله الحسنة. ولعل الجملة الأخيرة التي نطقها السيد المسيح عليه السلام وهو معلق على خشبة بعد صلبه من قبِل أعدائه نقيض لهذا العنوان، فقد طلب نبي الله المغفرة لأعداء الأمة على مرّ التاريخ قائلاً: "إغفر لهم يا أبتاه... فهم لا يدرون ماذا يفعلون".

ولأننا لسنا أنبياء، وهذا الزمن ليس زمن الرُسل جاء ذاك الطلب. إلهي لن أقول ما تعرفه مسبقاً وجلالتك سيد العالِمين والعَالمين، إنما يُقال أن الشكوى لغير الله مذّلة... ربيّ، ما عسانا نفعل في زمن الإقتتال بأسماء الأنبياء أصبح فيه عُرفاً... ربّي تنوعت الصراعات ونحن أضعف من أن نتصدى لها، بعض الصراعات تأتي موقرة على شكل المتدينين ومنها تأتي على شكل الهيئات السياسية التي ترتدي عباءة صراع الوجود واثبات الوجود، الأقلية والأكثرية، التمثيل والتهميش، ومنهم من يتخذ شكلاً للصراع من مواد الدستور متراساً يحارب فيه بهدف تحصيل حقه حسب تشريعاته ولو جاء على حساب الآخرين مستجهلاً التتمة للفقرة "ج" الواردة في مقدمة الدستور والتي تنص على تحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين دون تمييز.

ولعل الصراع الأكبر يُترجم عبر المنابر والشاشات. فتراهم يصرخون، يشتمون، يتهمون ويخونون، يطلقون صفارات العداء ويستنفر الجمهور الغيور على زعيمه ليوجّه شتّى أنواع الضربات والردود على أنواعها مستخدمين كافة الوسائل ولا سيما وسائل التواصل الإجتماعي التي وُجدت لتسهيل التواصل العالمي فإذا العرب وجدوا فيها سبيلاً لإطلاق شرارتهم وسفك الدماء وإشعال الثورات والفتن... وتارة تراهم يلتقون، يتحدّثون، يقهقهون ويولمون على شرف المصالحة بمائدةٍ ذات طبق اساسي مكون من اللحم الحيّ كاد أن يكون لحماً بشرياً لولا اللطف الإلهي ونجاة لحمنا من الهضم بأفواه هم أنفسهم من أشعلوا النيران قبل أعوام وأشهر وأيام... أما العظام من على تلك المائدة فلن أبوح لمن تذهب رأفة بالمغلوب!

ربي... لقد خلقت العقل ومن الفكر نشأت السياسة والسياسة جاءت لتسيس شؤون المواطن فإذا بهم يسيّسون كل شي إلا السياسة... كنت أظن أن السياسة وُجدت عبر التاريخ للتنظيم والتخطيط والتشريع بهدف حماية الأرض والإنسان، فإذا بالأرض تغمرها النفايات على جميع المستويات والإنسان تحول إلى مجرم بكل ما للإجرام من أشكال، إما ليطعم جياعاً أو ليحمي عرضاً أو ليدافع عن نفسٍ أو ربما وجد في الإجرام والخطف والأذية ملذة في ظل غياب رهبة الأمن... وبعد!

لا تغفر لهم يا الله... هم يدرون أنهم يسرقون رغيفنا، ويسممون أطفالنا، ويقتلون أحلامنا ومستقبلنا، ويشلون مؤسساتنا الدستورية والعامة والخاصة، هم يدرون أن الحرب على شفير الهاوية ويستعدون لها بترحيل عائلاتهم الى شاطئ الأمان، ويدرون أيضاً أن السماء لن تمطر الحلول لوضع الحد للفراغ الدستوري وما يتبعه من أزمات إقتصادية وكوارث إجتماعية وإنمائية وأمنية، وكبرياؤهم أهم من أن يجلسوا ويتحاوروا وينقذوا موطني من الطوفان.

إلهي... هم يعلمون تماماً أن التصنيفات والمحسوبيات لا تخدم مصلحة الوطن ومع ذلك يأتون بالجاهل ويلقنونه ماذا يجب أن يفعل بدل أن يأتوا بالذكي ليعلمهم ما لا يعرفونه.

لذلك سأتبع إحدى توصيات خاتم الأنبياء الرسول النبي محمد صلى الله عليه وسلّم ألا وهي الإكثار من الإستغفار عند البلاء.

أستغفر الله العظيم من بلاء الساسة اذا اجتاحهم الجشع وماتت ضمائرهم وقست قلوبهم.

أستغفر الله من بلاء الكفرة الذين يكفرون كافراً لأنه كفرَ وإذا بهم كفروا بتكفيرِ كافرٍ وهم عبيد.

أستغفر الله من شيطان أخرس صمت عن حق موطنه ومواطنيه وشّرع أبوابه أمام الأمم ليفصّلوا حروبهم وميثاقاتهم على مقاس مصالحهم.

أستغفر الله من دعوة غير مستجابة عنده سبحانه وتعالى، قد أعد ليوم القيامة حساباً فما بالنا من الدنيا وما فيها... فليأخذوا السلطة وامتيازاتها في الأرض... فلا مكان لمفسدي الأرض في السماء... وهنا تكمن العدالة الحقيقية... العدالة التي لا يُحدها بند ولا فقرة ولا دستور قابل للتغيير أو التعديل... إنها العدالة الإلهية، فهل من يعيد حساباته قبل فوات الأوان؟