مع إنتهاء الجلسة الأولى من جلسات اللجان النيابيّة المُشتركة، وتحديد الإثنين المُقبل موعدًا للجلسة الثانية، وبعد تسرّب طبيعة النقاشات التي جرت داخل المجلس، إلى الإعلام، كان من المُمكن الخروج بالخلاصات التالية:
من حيث الشكل، يُمكن تسجيل ملاحظتين أساسيّتين، الأولى مفادها أن لا قانون مُتفق عليه بين الأفرقاء السياسيّين، على إختلاف تموضعاتهم وتحالفاتهم السياسيّة، إن الحالية أو السابقة، حيث يُمكن القول إنّ البحث ينطلق مُجدّدًا من الصفر، لجهة الحجم الجغرافي للدوائر (مُصغّرة، أم متوسّطة، أم كبيرة)، وفي طبيعة قانون الإنتخابات (أكثري أم نسبي أم مختلط). ولولا إحالة القانون المُسمّى "الأرثوذكسي" إلى الهيئة العامة، بمسعى من أمين سرّ تكتل "التغيير والإصلاح" النائب إبراهيم كنعان، لكان النوّاب نسوا تمامًا وُجود أشهر وسنوات سابقة من التفتيش والتمحيص في قوانين الإنتخاب! حتى أنّ النقاش تناول مسألة رفع عدد مجلس النوّاب، في ظلّ تقديم مشروع لتمثيل الإغتراب اللبناني بمجموع 12 نائبًا رفعه عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ​نعمة الله أبي نصر​، وتقديم مشروع ثان لتمثيل الأقليّات بمجموع 6 نوّاب، رفعه عضو "كتلة المستقبل" النائب نبيل دو فريج، ما يعني تلقائيًا فتح الباب أمام المزيد من الخيارات.
والمُلاحظة الثانية مفادها أنّ الأفرقاء السياسيّين المَعنيّين مُتمسّكون بمواقفهم السابقة المعروفة من قوانين الإنتخاب، ما يُمهّد الطريق لأن تطول جلسات النقاش وتتشعّب، في ظلّ غمز من قناة بأنّ البحث سيتجاوز المهلة القانونيّة للجلسة التشريعيّة العادية التي تنتهي في نهاية أيّار الحالي، وفي ظلّ الحديث عن ضرورة فتح دورة إستثنائيّة للمجلس النيابي بعد إنتهاء العقد العادي للتشريع، إذا كان الهدف منها التصويت وإقرار قانون جديد للإنتخابات النيابيّة.
من حيث المضمون، يُمكن تسجيل أربع ملاحظات أساسيّة، الأولى، مفادها أنّ "التيار الوطني الحُرّ" عمد إلى رفع سقف مُطالبته باعتماد النسبيّة على نطاق واسع بحجّة التمثيل الصحيح لمختلف الفئات، في مقابل رفع "تيّار المُستقبل" لسقف مُعارضته لمبدأ النسبيّة في ظلّ تمسّك "حزب الله" بسلاحه ما يحول دون التجرّؤ على مواجهة لوائحه من قبل معارضيه، بغضّ النظر عن حجمهم. وليس سرًا أنّ إنتشار مُحازبي "التيّار" على مساحات جغرافية واسعة يجعله الأكثر إستفادة من القانون النسبي، بحيث أنّ خسارة بعض النوّاب في بعض الدوائر سيُعوّض عبر كسب العديد من النوّاب الجُدد في الكثير من الدوائر الأخرى. في المُقابل، إنّ وُجود مُعارضين كُثر للتيّار الأزرق يجعله في طليعة المُتضرّرين من تحوّل عمليّات التصويت من القانون الأكثري إلى القانون النسبي، بحيث أنّ سيطرته المُطلقة على بعض الدوائر بالقانون الأكثري ستجعله يخسر الكثير من المقاعد بالقانون النسبي. وما ينطبق على "تيار المُستقبل"، ينطبق أيضًا على "الحزب التقدّمي الإشتراكي"، الأمر الذي يُفسّر معارضة ممثّليهم في اللجان على القوانين النسبيّة في ظلّ المُعطيات الحالية.
الملاحظة الثانية، تتمثّل في سعي "القوات اللبنانيّة" الجدّي إلى إيجاد تسوية وسطيّة بين القانونين الأكثري والنسبي، علمًا أنّ مصلحة الحزب الشخصيّة على صعيد الحجم تتمثّل في القانون النسبي وليس الأكثري، كون شعبيّة "القوّات" موزّعة على مساحة جغرافية واسعة، تمامًا مثل "التيار الوطني الحُرّ"، بغض النظر عن الأحجام والأرقام. وتهدف "القوّات" من مساعيها هذه إلى إيجاد المخرج المطلوب للمأزق الحالي القائم، لأنّها ترغب من جهة في رفع حجم تمثيلها النيابي والسياسي والذي يُمكن أن يتحقّق بمجرّد تبنّي قانون إنتخابي عادل يُخرج المرشّحين المسيحيّين من تأثير الناخب المُسلم، ولا يسمح لأكثريّة طفيفة بشطب تمثيل الأقليّة ضمن أيّ دائرة، وترغب من جهة أخرى بعدم خسارة "قوى 14 آذار السابقة" نفوذها السابق على المُستوى الوطني، وبعدم توسّع التباعد والشرخ بين "القوّات" من جهة، و"تيّار المُستقبل" وغيره أيضًا من جهة أخرى.
الملاحظة الثالثة أنّ الكثير من النوّاب ربطوا بين التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد، والتوصّل إلى تسوية شاملة على مستوى البلاد، وهذا الأمر يُناقض تمامًا بعض الرهانات على بقاء الأمور على ما هي عليه حتى الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، تاريخ قلب الموازين الداخليّة تمهيدًا لفرض واقع جديد نيابيًا ورئاسيًا، بحسب هذه الرهانات نفسها. فالحديث عن إستحالة التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد من دون تسوية شاملة، يعني بقاء الأمور على ما هي عليه من فشل لسنوات آتية، ما لم يتمّ التوصّل إلى حدّ أدنى من التوافق على قانون إنتخابي جديد، بحيث لا يعود لموعد حزيران 2017 أيّ تأثير يُذكر، إذا كان الأمر سيقتصر على رفع عدد بعض النوّاب هنا أو هناك.
الملاحظة الرابعة، أنّ فرص القانون الأرثوذكسي قد تعود لتكون جدّية مرّة أخرى، في حال تبدّل موقف نوّاب "القوات اللبنانيّة" منها. وهذا الإحتمال وارد، في حال بقي التعامل الفوقي مع "القوّات" من جانب "تيّار المُستقبل"، وحتى محاولات ضرب نُفوذها وإضعافها، كما يحصل حاليًا في إنتخابات مدينة زحلة على سبيل المثال لا الحصر.
في الختام، الخوف كل الخوف من دوران نقاشات اللجان النيابيّة في حلقة مُفرغة، ومن تمسّك الأطراف السياسيّة كافة بمواقفها المُتباعدة، ما سيضع لبنان في المُستقبل القريب أمام أمر من إثنين: إمّا إجراء الإنتخابات التي يُفترض أن تتمّ في حزيران 2017 وفق القانون الذي إعتمد في دورة العام 2009، أو إرجاؤها للمرّة الثالثة على التوالي، علمًا أنّ الخيار الثاني مُستبعد جدًّا. وفي الحالين، سيكون المسيحيّون بمختلف أحزابهم وشخصيّاتهم في طليعة المُتضرّرين، الأمر الذي سيفتح الباب واسعًا أمام خلط كبير لأوراق التحالفات السياسيّة السابقة التي كانت قد إهتزّت في الأشهر الأخيرة بسبب ملفّ الرئاسة وارتداداته، والتي تزداد تدهورًا حاليًا بسبب حزازيّات الإنتخابات البلديّة. ولا شكّ أنّ عدم التوافق على قانون إنتخابي جديد قبل نهاية العام الحالي، سيعني حُكمًا إقفال الطريق على أيّ إعادة تشكيل عادلة للسلطة السياسيّة في لبنان، مع كل ما سيستتبع ذلك من تبديل للتحالفات، ومن خطوات إعتراضيّة من أكثر من طرف مُتضرّر، وبالتأكيد من سُقوط مريع متوقّع للتحالفات السياسيّة التي كانت قسمت لبنان بين قوى "8 و14 آذار".