الصورة التي تتكشف عن تشكيلات لوائح المعركة الانتخابية للبلديات والمخاتير، إضافة إلى اللوائح التوافقية، تُظهر انكفاءً للأحزاب أمام العائلات، لا بل هزيمة محسوبة ومحسومة سلفاً للأحزاب، كهيكليات سياسية لم تتقدم بأية برامج عمل لأنصارها الذين زجّت بهم في المعارك عبر العائلات، وانقلبت "الآية" في بلديات لبنان 2016، ولم يعد أفراد العائلات منضوين تحت أحزاب بقدر ما انضوت الأحزاب تحت إرادة القوى المحلية، سواء كانت عائلات كبيرة لها وزنها المحلي ضمن البلدة أو القرية أو الحي، أو عائلات إقطاعية مستمرة في أسر الناس تحت رايتها كحاضنة اجتماعية لهم بعد أن عجزت الأحزاب على أن تكون البديل.

الرئيس سعد الحريري لا يخوض معاركه البلدية بصفته زعيماً لـ"تيار المستقبل"، بل بصفته ابن عائلة سُنية قادمة من صيدا بإمكانها، رغم شحّ الإمكانيات المادية، أن تبقى حاضنة لأهل بيروت؛ بالنظر إلى استمرار العائلات البيروتية في العجز مادياً وسياسياً عن استعادة الدور الذي خطفه الرئيس رفيق الحريري كشخص، وأورثه لنجله سعد كشخص، ولو أن الأمور تبدّلت من حيث حجم "النفوذ الحريري" على العائلات، بعد أن غابت مهزلة "زي ما هيي"، لكن المؤسف أن ابن صيدا القادم إلى بيروت ويتزعم بلدياً "لائحة البيارتة"، أُطلقت بوجهه بيروتية تسكن الناعمة صرختها وقالت: "أنا ابنة بيروت، ولم يبقَ لي فيها سوى نفاياتها التي أتعايش معها في مطمر الناعمة، ومهما عملوا من أجل بيروت، فإن المواطن البيروتي الذي هجر مدينته قسراً ليس في حسابات بيارتة يشبهون غطرسة سوليدير".

الصفة العائلية ستؤمن شراكة للحريري مع العائلات البيروتية العريقة، بصفته غدا ابن بيروت، وهذه الشراكة تنسحب على طرابلس وصيدا، أيضاً بالصفة العائلية، لأن "الحريرية السياسية" ليست مشروعاً بقدر ما هي انتماء إلى عائلة أغدقت على البعض ما عجزت عنه باقي العائلات، لكن وضع عكار المصدومة بالوعود "العرقوبية" للرئيس سعد الحريري، غيّرتها الأيام خلال غربته، وتأقلمت مثله مع الوضع الإقليمي، وبات سهل عكار أشبه بميدان الفرسان يسرح فيه بكل حرية خالد الضاهر ومعين المرعبي، وسط تهليل "الإسلاميين"، ويسرح عبد الرحيم مراد حراً في قرى البقاع الغربي السُّنية، وإن بشراكة خجولة مع الحريري، ولن تختلف النتائج عن انتخابات 2010، خصوصاً أن "الربيع العربي" سيجني الحريري "بلدياً" ثمار تورطه فيه وغيابه عن جمهوره.

وإذا كان الحريري خلع عن نفسه "اللون الأزرق" لاسترضاء العائلات التي يحتاجها في بيروت وسواها، فاللافت على "جبهة" أمل - حزب الله، أن "الكوتا" الثابتة لكل منهما تشهد مواجهة حزبيين في لوائح العائلات في الجنوب، مع استمرار تمسُّك أبناء بعلبك الهرمل بلدياً بـ"الحركة" و"الحزب" أكثر من أبناء الجنوب، ربما لأن منطقة البقاع الشمالي تعيش أجواء أمنية خطيرة تستوجب أن تكون العائلات في حضن المقاومة حتى إشعار آخر، مع تسجيل موقف مشرِّف كما العادة للمقاومة وحزب الله، بالنسبة للقرى البقاعية المختلطة مسيحياً - شيعياً لجهة الحفاظ على العُرف وعدم السماح بقضم التمثيل المسيحي في هذه القرى.

الوضع المستقر هو في حاضنة النائب سليمان فرنجية، حيث "تيار المردة" يقترن بالعائلة، وحيث لفرنجية الكلمة على مناصريه بالصفة التي تريحهم، وعائلات زغرتا الموالية لعائلة فرنجية باقية على العهد والوعد مهما تبدّلت الظروف، وهذه الحالة تنسحب على "جبل وليد جنبلاط"، ولو أنه ترك الحرية للعائلات على اختلاف تلاوينها الحزبية والمذهبية، لأنه يدرك أن لا أحد قادر على زعل وليد بك، بينما يبدو أن أبناء زحلة قادرون على زعل ميريام سكاف كوريثة زعامة، فبرزت المواجهات الحزبية بوجه العائلة السكافية، ولم تنجح السيدة سكاف في إقناع الزحليين أن الخصوم الحزبيين ليسوا "زحالنة أقحاح"، وأنه من حقها احتكار زحلة، وهي التي ما زالت طرية العود على الزعامة المطلقة.

كسروان وجبيل والمتن، معركة في غالبية المدن والبلدات، وكأن كل بلدة ستشهد أم المعارك، فيما يلاحَظ الهجوم العائلي على الأحزاب، وإن بعناصر حزبية، ومصالحة معراب لم تنعكس لوائح موحَّدة بمواجهة العائلات، بل أكثر ما يقال عن تحالف أكبر قوتين حزبيتين مسيحيتن هو في أجواء الود بين المناصرين من مرشحين وناخبين أينما كان التموضع الذي هو مشترك ضمن اللوائح، ويتنافس "العوني" و"القواتي" ضمن لائحة، بمواجهة "عوني" و"قواتي" في اللائحة المنافسة، نتيجة ذوبان العناصر الحزبية ضمن العائلات، وهنا لا بد من ملاحظة السطوة التقليدية للنائب ميشال المر على بلدات المتن، وتركيزه القديم الجديد على ترك الأحزاب والعائلات "تتناحر"، وما يهمه في النتائج هو شخص رئيس البلدية، لأن انتخابات رئاسة اتحاد بلديات المتن يجب أن تبقى للسيدة ميرنا المر.

هذه هي باختصار أجواء الترشيحات والتوافقات؛ عدم اهتمام عائلي بالانتماء الحزبي إلا تحت سلطة العائلة، ومصلحة المجتمع الصغير لكل بلدة وقرية، والأحزاب التي عجزت عن إقرار الاستحقاقات الوطنية الكبرى، ومن ضمنها اللامركزية الإدارية، ستجد نفسها تنكفى أكثر فأكثر بعد انتهاء الانتخابات، والمدن والقرى اللبنانية قادمة على ما يشبه "الحكم الذاتي" للعائلات، بانتظار أن ترتقي الأحزاب إلى مستوى إقرار التشريعات والقوانين التي تحقق اللامركزية الإدارية وقانون الانتخابات، وتنال استحقاق أن تكون جديرة بإدارة الاستحقاقات.