في اطلالته من بيروت قال مستشار ولي الفقيه السيد علي خامنئي، علي اكبر ولايتي، إن "ايران وسورية ستحميان محور المقاومة ومركزها الاساسي في جنوب لبنان". مستشار زعيم محور الممانعة والمقاومة ربما لم يزل معتقدا ان الجمهور الذي يستمع اليه لا يزال مقتنعا بأن السياسة الايرانية منهمكة بكيفية تحرير فلسطين، بينما يشاهد هؤلاء كيف يجاهد الحرس الثوري والميليشيات الشيعية التابعة له من اجل تخليص سورية، ولاسيما مدينة حلب، من "الارهابيين"... نعم الارهابيين (سبحانه كيف صارت تجري هذه الكلمة على السنة الممانعين بطلاقة ومن دون ارتباك).

المؤامرة الاسرائيلية، او الاميركية، لا تتكرر هذه الايام حين الحديث عن حلب. ولا نسمع شيئا من القيادة الايرانية ولا حتى من القائد الفذّ قاسم سليماني، عن المؤامرة الاميركية في العراق. فهل سلمت القيادة الايرانية بأن الولايات المتحدة الاميركية لا تريد ضرب محور المقاومة والممانعة في العراق؟

هذه المرة الازمة في العراق هي ازمة المعادلة السياسية التي رعتها القيادة الايرانية. لا احد يستطيع القول إن مكونات السلطة في العراق ليست من اصدقاء ايران وحلفائها، بل ليس ثمة وزير في الحكومة العراقية معاد لايران. فالازمة العراقية اليوم تعكس فشل الادارة الايرانية لهذا البلد، الذي اتيح لايران ان تقدم فيه نموذجا لما تبشر به من ممانعة. لكنها قدمت اسوأ دولة فاشلة في المنطقة. وثبت "بالوجه الشرعي" ان اكثر المفسدين في السلطة العراقية هم اكثرهم تبعية والتزاما بتوجيهاتها في الساحة العراقية. لا بل ان القدرة على الافساد والفساد تحتاج من صاحبهما في بلاد الرافدين ان يكون من موالي النفوذ الايراني والمؤتمرين به. لذا كانت الاصوات التي ارتفعت عاليا في المنطقة الخضراء من قبل الجموع العراقية: "ايران برا برا...". شعار كشف الى حدّ بعيد دور ايران في حماية منظومة الفساد داخل الدولة العراقية.

الازمة العراقية اليوم هي داخل ما يسمى "البيت الشيعي"، الذي باتت مكوناته عاجزة عن تقديم البدائل. هي التي قايضت ايران، منذ الغزو الاميركي، على تقديم الولاء لايران مقابل ان تطلق يدها في التصرف بخيرات العراق لتعزيز نفوذها الحزبي والشخصي على حساب الدولة ومشروع بنائها.

المشروع الايراني اليوم في العراق يستنجد بالاميركي، فيما الاميركيون لا يرغبون في تكرار التجربة السابقة، بل يكتفون بالتركيز على ما يعنيهم من الجانب المتصل بالحرب على الارهاب. اما شؤون الدولة والمعادلة السياسية فليسوا في وارد التورط مجددا في وحولها. وتراهم يتفرجون على ايران، كما كانت الاخيرة تتفرج فيما تحصد نتائج الغزو الاميركي عام 2003 على العراق على مدار السنوات الست التي تلته،.

ولايتي في بيروت، ربما في زيارة عادية، لكنه في ظل انهماك محور الممانعة بأزماته الداخلية في كل عاصمة من دول نفوذه، من اليمن الى العراق فسورية ولبنان... يدرك انه يحتاج الى تقديم مايطمئن اطراف هذا المحور، والى رفع معنوياته. حزب الله في لبنان يراقب هذا التناغم الاميركي – الايراني ويتحسس سيف العقوبات المالية الاميركية الذي فرض عليه الزام الاف المحازبين والقريبين منه على اغلاق الحسابات المالية خوفا من تجميدها، وربما يسأل حزب الله هل نحن خارج التفاهم الايراني – الاميركي؟ وسؤال اخر يتصل بالميدان السوري الذي استنزف حزب فمعركة جنوب حلب وتلة العيس ارقت حزب الله ولا تزال لجهة الخسائر ولجهة الدور الروسي في سورية؟ حزب الله تلقى من ولايتي بالتأكيد ما يفيد ان قاتلوا ولن نتخلى عنكم.

على ان ايران، وهي تحاول ان تستعيد بعض ما خسرته من التدخل الروسي في سورية، تحاول ان تعوض الخيبات في العراق وفي اليمن، باندفاعة عسكرية في سورية، شكلت معركة حلب عنوانها. هكذا تحاول ايران، من خلال دعم الخيار العسكري، "وطرد الارهابيين والتكفيريين قريبا من حلب"، بحسب قول ولايتي من على ضريح الشهيد عماد مغنية امس في بيروت. وربما هذا ما جعل الاسد يبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف امس، انه لن يقبل الا بالانتصار الكامل.

هو طموح ايراني بمزيد من القتال والدمار باعتبار ان الاسد لا يمكن ان يستمر الا باستمرار الازمة، فيما الحلول الجدية في سورية تعني نهايته.

ما قاله ولايتي عن "مقاومة اسرائيل" طرفة سمجة في زمن تدمير بلاد العرب، من الشام إلى بغداد.