لا فصل للجماعات المقاتلة على الارض، ولا توحيد للمعارضات في جبهة واحدة، سقط الرهان الروسي في سوريا لناحية دفع الحلفاء والخصوم على السواء نحو الاتفاق على مبادئ سياسية مشتركة، علنية كانت في جنيف او سرية عبر الاتصالات الدولية لما يسمى بمجموعة دعم سوريا، موسكو بدات تتفلت من التزاماتها تدريجيا، ربما ما حصل في الاونة الاخيرة من تغيرات ميدانية ومواقف سياسية، واهمها الاميركية، بدل استراتيجية الكرملين بالكامل، لتصل الى حدود التحرر من التفاهمات مع واشنطن، واعادة تفعيل عمل السوخوي اكثر منذ الخامس والعشرين من ايار الماضي.

عندما نام الدب الروسي مطمئنا على وقع بدء هدنة على الارض وحوار في جنيف لم يعلم انه سيستفيق على ميدان وواقع جديد، انها "الخديعة الاميركية" وفق حسابات روسيا، هذه الاخيرة ادت قسطها من الاتفاق دون ان تقابل بخطوات من واشنطن، حين اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اذار الماضي انسحاب الجزء الاكبر من قواته العاملة في سوريا، راهن وقتها وبشكل كبير على دفع عملية التسوية السياسية، ولكن الطرف الاخر كان متربّصًا لخطوات موسكو، استثمر الهدوء النسبي على الارض على وقع بدء المشاورات السياسية، نجح باطاحة مفاعيل تقدم حلفاء موسكو على الارض عبر شحن الفصائل المسلحة بمزيد من السلاح والمقاتلين لا سيما في حلب والرقة.

الجهود الروسية المستمرة لمحاولة فصل الجماعات المسلحة بين ارهابية ومعتدلة، منها احرار الشام وجيش الاسلام، فشلت بعد تجاهل وصل الى حد الاستخفاف من جانب الادراة الاميركية، ليس هذا فقط، واشنطن ترفض حتى التنسيق العسكري مع موسكو لضرب الجماعات الارهابية من داعش الى النصرة، هي تدرك ان فصل المعتدلين عن الارهابيين يضعف نفوذها على الارض، كذلك فهو مستحيل بسبب ولاء معظم الجماعات لجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا، او في حده الادنى التماهي مع توجهاتها العقائدية.

تركيز المعارك الحالية على سحق داعش لا سيما في الرقة وارياف حلب ادخل الاطراف في حسابات جديدة، واشنطن تسير في استراتيجية تبدو ناجحة على الارض، حلفاؤها وعلى راسهم قوات سوريا الديمقراطية اثبتوا نجاحهم في اكثر من جبهة، قضموا مناطق واسعة من داعش في الشمال السوري، معارك منبج مؤشر لدعم مستمر تتلقاه هذه القوات ضد تنظيم داعش، ادارة اوباما تعول عليهم، هم اثبتوا قدرتهم على تغطية الفراغ الذي خلفه داعش في اكثر من منطقة تعد امتدادا لنفوذ اميركي – كردي.

وكأن اقليم روج افا الكردي اضحى بحكم الواقع المفروض على الارض، من عفرين الى عين العرب وصولا الى الحسكة والان الى عمق الرقة، هذا الاقليم اصبح بالتاكيد ضمن رؤية الادارة الاميركية الحالية، عل الاقل في الشمال السوري، قبيل تحديد اكبر لمسار الازمة السورية عبر ما ستقدمه الادارة الجديدة المقبلة على البيت الابيض.

هذا النجاح النسبي لاستراتيجية واشنطن ليس ساريا عند موسكو، الجيش السوري تقدم لحدود معينة في الرقة وعاود الى التراجع، ربما كما يقول البعض فان موسكو وحلفاءها غير جاهزين لخوض معركة بهذا الحجم، وربما حسابات اخرى، فاذا كانت روسيا عبر وزير خارجيتها اكدت دعم واشنطن والاكراد في معركة استعادة الرقة فهل واشنطن تدعم موسكو لاستعادة حلب؟

في الحسابات الاميركية، هذا الدعم مستحيل، معركة حلب استراتيجية للاطراف جميعا دون استثناء، ففيما عاصفة السوخوي الروسية عادت لتهب على حلب، خصوصاً بعد انتهاء المهلة التي طلبتها واشنطن لفصل المسلحين عن النصرة وداعش، تصر واشنطن وانقرة على امداد التنظيمات المسلحة، بما فيها النصرة القوة الاكبر في حلب بالمقاتلين والاسلحة، ما كشف عن ارسال مئة صاروخ مضاد للمدرعات والطائرات قد يكون مقدمة لدعم اكبر.

معركة حلب مغايرة عن الرقة، حسمها عسكريا شبه مستحيل، لا يخفى على موسكو ان ضبط الحدود غير وارد في ظل التوازنات الحالية، انقرة وعواصم اقليمية اخرى ليست في وارد التراجع ابدا عن دعم مسلحيها هناك، ربما الصفقات الكبرى غير قابلة للاقرار حاليا، يبقى الرهان الروسي على تقدم ميداني اهمه في حلب، قد يسهم هذا في اعادة تجديد وترسيم الحدود المتداخلة بين القوى المشاركة في هذه الحرب، لا اكثر.