لم تنته أزمة حزب "البعث العربي الإشتراكي" في لبنان بعد المؤتمر القطري الذي عقده الجناح الذي يرأسه النائب ​عاصم قانصو​، على الرغم من أنّ الأخير يُصر على أنه عقد بعد تكليفه من قبل الرئيس السوري ​بشار الأسد​، خلال إتصال هاتفي، بالعمل على إتمام الوحدة الحزبية، إلا أن الجديد هو إقتحام مبنى الحزب الرئيسي في منطقة رأس النبع من قبل مجموعات تابعة للجناح الآخر الذي يرأسه ​نعمان شلق​.

على مدى هذه الأزمة، كان السؤال الرئيسي متعلق بموقف القيادة السورية مما يجري، حيث يدّعي كل فريق أن دمشق تقف إلى جانبه لا إلى جانب الفريق الآخر، من دون أن تقدم أي جهة أدلة حاسمة حول هذا الموضوع.

في تفاصيل ما حصل ليلة السبت الأحد، تكشف مصادر مطلعة من القيادة التي يرأسها النائب قانصو، في حديث لـ"النشرة"، أن المبنى، الذي تم إقتحامه من قبل مجموعات لبنانية وسورية، كان موضع نزاع قضائي في البداية بين جناحين حزبيين، الأول برئاسة الأمين القطري السابق معين غازي (عُين من قبل القيادة السورية) والثاني برئاسة الأمين القطري السابق ​فايز شكر​، وتضيف: "في ذلك الوقت تقدم الجناح الأول بدعاوى قضائية لكنه خسرها وتم الإبقاء على المبنى تحت سيطرة الجناح الذي يقوده شكر".

وتشير هذه المصادر إلى أنه بعد المؤتمر القطري الأخير، الذي توج فيه قانصو أميناً قطرياً، أصبح هذا المبنى تحت سلطة القيادة التي يرأسها قانصو، لكنها تلفت إلى أنه منذ البداية كان هدفاً للفريق الآخر المدعوم من قبل السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، "الذي يعتبر نفسه المعني الأول بالملف الحزبي"، لا سيما أن هذا الفريق رفض الوحدة الحزبية لأنه كان سيخسر بأي إنتخابات يشارك فيها، وتضيف: "المبنى أصلاً هو ملك مجلة الراية التي يرأس تحريرها قانصو وغير مسجل رسمياً باسم البعث".

من وجهة نظر هذه المصادر، ما حصل هو "سرقة" أو "إحتلال" لأن من لديه مطلب يذهب إلى القضاء لا إلى القيام بأفعال يقوم بها "اللصوص" عادة، وتضيف: "من دخل المبنى مجموعات بقيادة محي الدين حبلي (كان يعمل مع شكر سابقاً) ونبيل قانصو (نجل شقيق النائب قانصو)، وتم التعاون معهما من قبل أحد المسؤولين عن الحراسة"، وتشدد هذه المصادر على أن الجناح الذي يقوده قانصو يجري إتصالات في الوقت الراهن مع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والأجهزة الأمنية لمعالجة ما حصل، بالإضافة إلى أنه في طور التقدم بدعاوى قضائية، وبحال عدم الوصول إلى نتيجة سيتم دعوة الأفرع في المناطق من أجل النزول إلى الأرض، وتضيف: "نبيل قانصو المدعوم من السفير السوري لا يملك سجلات حزبية، لا بل هو متهم بقضايا أمام القضاء تتعلق بتزوير شيكات يملكها النائب قانصو، وزوجته تعمل في مكتب محاماة تملكه زوجة الوزير السابق أشرف ريفي، وهي على خلاف معه لأنها رفضت أن يعمل لصالح سوريا وتريد عودته إلى مدينة طرابلس التي عاش فيها".

على هذا الصعيد، يستهجن عضو القيادة القطرية في الحزب توفيق الضيقة، في حديث لـ"النشرة"، ما حصل، ويعتبر أنه تطاول على القانون اللبناني والسلطة اللبنانية، ويستغرب كيف تقدم مجموعات بعضها مسلح، تضم لبنانيين وسوريين، على الدخول إلى المبنى الرئيسي لحزب مرخص ويضم نائبا في البرلمان، ويناشد الأجهزة الأمنية والقضائية وضع يدها على هذا الملف.

في المقابل، تكتفي مصادر قيادية من الجناح الذي يرأسه شلق، عبر "النشرة"، بالتأكيد أن ما قامت به هو حق لها، لأن هذه المبنى هو ملك حزب "البعث" وليس ملك شخص، كما أن هذا الجناح هو القيادة الشرعية المعيّنة من دمشق، وتضيف: "تعنت النائب قانصو هو الذي أوصله إلى هذا المكان".

من جانبها، ترى مصادر حزبية وسطية، عبر "النشرة"، أن ما حصل اليوم يجب أن يكون بداية الحل، لأن لا يكفي استعادة المبنى لتفعيل عمل الحزب، وتشير إلى أن هناك توافقاً على أن كل الحلول التي عمل بها منذ تعيين غازي أميناً قطرياً كانت منقوصة، لا سيما لناحية الوقوع في خطأ إختيار بعض الأسماء التي لا تاريخ حزبي لها ولا تقدم إضافة أو تحدث فرقاً في الأداء.

وتضيف: "اليوم وصلنا إلى نقطة اللاعودة مع قانصو، الذي منع من دخول الأراضي السورية، وكذلك مع شكر الذي يحاول الإيحاء بأنه خرج من اللعبة مع العلم أن العكس هو الصحيح"، وتتابع: "هناك إجماع على ضرورة الخروج من الأزمة ولكن من خلال قيادة جديدة تضم وجوهاً لها حضور ومعروفة من الجهاز الحزبي وقادرة على إعادة إستنهاض العمل"، وتعتبر أن ما حصل ليل السبت الأحد "طبيعي وغريب تصويره إنتصار ولا داعي لعرض العضلات، فهذا المبنى للحزب وواجب أي قيادة إستعادته"، وتحمل القيادة الحالية برئاسة شلق مسؤولية التراخي والشلل في العملين التنظيمي والسياسي، وتسأل: "ماذا بعد إستعادة المبنى لا سيما أن الشرخ قد كبر والصراع إحتدم أكثر؟"، وتجيب: "المطلوب هو تعيين قيادة جديدة".

في المحصلة، الأزمة داخل حزب "البعث" في لبنان أخذت منحى خطيرًا، بعد الذي حصل ليل السبت الأحد، وهي مرجحة إلى التفاقم أكثر في حال عدم الوصول إلى حل سريع.