كان يؤخذ على الرئيس سعد الحريري عندما كان خارج لبنان بتوقيت أدق، مسارعته عند ختام أي كلمة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تطرّق فيها للحديث عن النظام السعودي أو الأزمة اليمنية تعليقه سريعاً على كلام نصرالله، فيظهر كمدافع عن السياسة السعودية بالداخل، حتى أصبح اللبنانيون يتوقعون سلفاً أن الحريري سيردّ فور انتهاء كلمة نصرالله ويتكهّنون مضمون ردّه.

التوافق الحاصل أرخى تهدئة واضحة المعالم بين الطرفين حتى أن المعلومات تؤكد توالي اللقاءات بين حارة حريك وبيت الوسط في الفترة الأخيرة، وأن مستوى التعاون مرتفع أكان حكومياً أو لجهة الانفتاح على قانون للانتخاب. وهو تعاون ملحوظ منذ لحظة الاتفاق على انتخاب الرئيس ميشال عون مرشح حزب الله وحليف دمشق وطهران، كما أسمته السعودية ووسائل إعلامها لسنوات رئيساً للجمهورية اللبنانية.

خفتت الرسائل «الحادة» المتبادلة بين الطرفين وباتت مسألة الحفاظ على التوافق أمراً أساسياً وأولوية بالنسبة للمستقبل وحزب الله، خصوصاً الرئيس سعد الحريري الذي لم يبادر هذه المرّة للردّ على خطاب السيد نصرالله الاخير في مناسبة يوم الجريح الذي تناول فيه السعودية وإجرامها في اليمن ومسؤوليتها عن مقتل الآلاف في تلك الحرب، كما قال.

بالمقابل تزامن حديث نصرالله مع حديث من نوع آخر في حوار تلفزيوني استضاف وزير الدفاع السعودي الامير محمد بن سلمان الذي يبدو أنه بات الأوفر حظاً لخلافة والده بعد أن حصل على اعتماد أميركي مبدئي بذلك على ما بدا من سياسة تغييب الأمير محمد بن نايف عن الحدث السياسي في المنطقة، خصوصاً بما يتعلّق بالحرب على اليمن التي تعتبر حرب «بن سلمان والأميركي» معاً جاء فيه «أن الأمير وإذ ينقل سياسة ونهج العائلة الحاكمة يعتبر أن إيران تحمل في ممارستها السياسية حيثيات إيديولوجية تبتغي نشر العقيدة الجعفرية الإثني عشرية في المنطقة والعالم وأنها تقوم على غيبيات وبالتالي لا مكان للحوار معها»!

كلام خطير جداً تلقفته إيران بتعليقها على تصريحات بن سلمان بوصفها بـ«التدميرية» ليبقى اللافت موقف حزب الله بدوره الذي يبدو ولأول مرة رداً مباشراً على السعوديين ليس بلسان إيران بل بلسان الشريك الأساسي في صناعة التوافق الذي يسود الساحة اللبنانية، وهو مسؤول عن فهم مثل خطاب كهذا يصدر عن مرجعية كالسعودية بوجه مَن يعتنقون المذهب الإثني عشري وحلفائهم. وهي تقصد الشيعة بكلام طائفي مباشر، فما كان إلا أن علقت كتلة الوفاء للمقاومة بالقول إن «النظام السعودي يصرّ على استعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ما كانت لتتعرّض لما تعرّضت له لولا دعمها فلسطين وأن العدائية المفتعلة ضد إيران وسيلة تخريبية تهدف لإضعاف قدرات المنطقة والشواهد كثيرة».

رد حزب الله على كلام بن سلمان يأخذ الى التساؤل حول مصير التوافق الذي يعيش لبنان ظلاله ضمن اتفاق غير معلن بين حليف السعودية تيار المستقبل من جهة، وحليف إيران من جهة أخرى، مع تكثيف للحوار تتماشى مع العهد وخطته، فماذا عن مصيره اذاً؟

بهذا الإطار يؤكد مصدر متابع لـ«البناء» خطورة تكرار تصريحات سعودية كهذه على الساحة اللبنانية التي باتت مؤشراً في الآونة الاخيرة لإمكانية زراعة أمل بتقارب سعودي إيراني بباقي ملفات المنطقة عملاً بنموذج انتخاب الرئيس عون توافقياً. من الضروري معرفة ما إذا كان ما تفوّه به الامير محمد بن سلمان عن استحالة الحوار مع النظام الإيراني بما يمتلكه من خلفيات عقائدية هو سياسة «جدّية» للمملكة أم أنها مجرد تصعيد كلامي يتماشى مع غياب أفق الديبلوماسية بين موسكو وواشنطن حتى اللحظة. ويضيف «لبنان، أكثر من سيتأثر بتوتر العلاقة بين البلدين، خصوصاً بعدما نجحا في فصله عن باقي الملفات ولا شيء يضمن أن لا تنتهي الامور بتصعيد جديد بين تيار المستقبل وحزب الله، اذا أدار كل طرف «اذنه» للجهة التي يمثلها بالخارج ورد حزب الله السريع هو دليل على أن أي توتر بالعلاقة بين إيران والسعودية يعنيه مباشرة». ويختم المصدر «ربما هناك ما يطمئن لعدم انزلاق الأمور من جهة الحريري الذي لا مصلحة له هذه المرة في لعب الدور السابق كناطق أو مدافع باسم السعوديين في لبنان، فلا يحرّض ضد حزب الله. وهو الأمر نفسه الذي يجعل من حزب الله مرتاحاً أكثر في توجيه رسائله كرسالة السيد نصرالله في خطابه الأخير عن وحشية السعودية. وهو حرص الحريري على الحصول على «ضمانات» من حزب الله لتُعاد تسميته رئيساً للحكومة مجدداً بعد الانتخابات النيابية المقبلة المفترضة».

كلام بن سلمان الذي رسم أسئلة كبيرة كشف عن هشاشة الموقف السعودي وعن انتفاء الرغبة السعودية بالحوار مع إيران لأسباب أبعد من السياسة دخلت ضمن العقيدة الدينية وهي ثابتة لا تتغير، وكأنه قطع الطريق مستقبلا عن التواصل معها، ما كشف عن قدرة مقلقة تتعلق بإمكانية نكث الاتفاقات في أي لحظة ما من شأنه التركيز على ضرورة إرساء قواعد أوضح وأمتن للعلاقة بين تيار المستقبل وحزب الله تضع مصلحة لبنان قبل أي حسابات وإيعازات خارجية قد تُعيد لبنان إلى مرحلة ما قبل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.