"الروح القدس هو القدرة الخالقة كل حياة. فهو يحيي كل شيء ويحفظ كل شيء ويقود كل شيء نحو الخلاص الأخير"(1).

الروح القدس هو القدرة الفاعلة خاصة في حياة يسوع وهو الروح الفاعل في الحبل بيسوع المسيح وبعماده وبأفعاله وفي موته وقيامته، أنه قوة الله . (Pneuma to theo) روح الرب علي فالروح قد مسحني (لوقا 14/18).

ويضيف بولس الرسول: "الرب هو الروح وحيث يكون روح الرب فهناك الحرية (2 كورنثوس 3: 17)، فالروح القدس هو الحضور الفاعل للرب وهو عطية الحياة الجديدة في يسوع.

إنه اقنوم الهي خاص، وقد ظَهَر يوم العنصرة بألسنة نارية واستقر على كل واحد من المجتمعين، وبه صار التلاميذ شهودا وفيهم القدرة والشجاعة والتكلم بلغات عديدة وبألسن الامم والتنبؤ وشفاء الامراض، وثماره هي: "المحبة، الفرح، السلام، اللطف والاناة والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف" (غلاطيا 5: 22-23).

اسرارية الروح القدس

بقوة الروح القدس الذي هو "قوة الله وقدرته" (Pneuma to theo) هو القوة المحوّلة التي، تجعل المستحيل والغير الممكن ممكناً، واللامعقول معقولاً: بالعماد يصير الطفل ابناً لله، وأخاً ليسوع المسيح، ووارثاً للملكوت والحياة الأبدية، وبسرّ التثبيت يتحول الانسان إلى شاهد لله وشهيداً له، وجندياً مدافعاً عنه في حياته وسلوكه وتفكيره وأقواله وتصرفاته. وبسر الأفخارستيا يتحول الخبز إلى جسد المسيح المعطي الحياة الأبدية ويتحول الخمر إلى دم يسوع المسيح نبع الحياة الإلهية.

وفي سر الإعتراف تحلّ الخطايا في السماء وعلى الأرض، وتغفر وتمحى ويتنقى قلب الإنسان من الخطيئة والشرّ ولا يقدر عليه الموت. وفي سرّ الزواج يصبح الحب واللقاء بين الرجل والمرأة كسرّ الحب بين المسيح والكنيسة التي أحبها المسيح وبذل نفسه عنها، ويصبح سر الحياة والولادة كَسِرِّ خلق الله للإنسان. فالكنيسة هي جسد المسيح السرّي وهكذا هي العلاقة بين الرجل والمرأة في اسرارية الحب وقدسيّة الجسد وروعة الولادة والحياة.

هو الذي يسند معطوبية الكائن la fragilité de l’être، وبسر مسحة المرضى أو زيت الشفاء تُشفى أمراضنا، وتُغفر ذنوبنا، ويرافقنا الروح إلى السماء للقاء وجه الرب. وبسرّ الكهنوت نشارك المسيح في كهنوته ونُعطى سلطاناً على حلّ الخطايا ومباركة الكائنات والناس، وتقديس وتحويل الخبز والخمر إلى جسد ودم سيدنا يسوع المسيح.

هو الساكن فينا لنصير Pneuvmatique

الروح القدس يقوّي الشهداء الذين سفكت دماؤهم لأجله، أو مزقت الوحوش أجسادهم في الكولوسيوم يوم الشهادة. هو الساكن في النساك والحبساء والمتصومعين او القاطنين البراري والصحاري وشقوق الأرض، أو في المدن او الاديار أو الحاملين بشرى الخلاص، ورسالة معرفة ومحبة يسوع في كل أصقاع الأرض.

الروح القدس يوحي للشعراء والفنانين والمبدعين والمفكرين والفلاسفة والنحاتين والرسامين والمغنين المنشدين المسبّحين المرتّلين بأصواتهم الرائعة الجميلة، الروح القدس يسكن أنامل وحناجر وأجساد المبدعين الراقصين للجمال والخيال، هو الساكن هدير المياه وهبوب الريح والعاصفة وأمواج البحور والمحيطات والأنهار، هو الساهر على ولادة كل حي في الوجود من الزهر إلى الشجر إلى الحيوان إلى الإنسان إلى الكواكب والنجوم والمجرات.

هو الذي يوحي للواعظين والمتكلّمين والإعلاميّين روعة الكلام وفنّه وجماله، هو الذي يعطيهم قدرة الإقناع والتحوّل والتعبير والإرتداد والتوبة والتعمّق بسر الله ولاهوته، هو الذي يفتح فم الأنبياء ومنشدي المزامير والصلوات والأدعية والتراتيل. حضوره في سلوك الانسان وتفكيره وقوله أمضى من كل سيف وهو نار ملتهبة، تليّن ما كان صلباً تقوي ما كان ضعيفاً، تشفي ما كان معلولاً، تنير ما كان مظلماً.

هو المؤسس لحياة الانسان والجماعة في جسد المسيح السري هو الساكن في قلب الانسان وعقله ولسانه سلوكه فيجعل منه كائناً روحيا (Pneuvmatique)، انساناً جديداً، فيصبح فيه من الأقوال والأفعال والأفكار ما في يسوع المسيح. ويصبح هذا الانسان رائحة المسيح الطيّبة وهو هيكل للروح القدس: "قلت عنكم أنكم آلهة" يقول الكتاب المقدس.

هو الباراقليط المحامي

الروح القدس هو المحامي والمدافع أي "الباراقليط" والكلمة يونانية الأصل وهي تعني من يدافع في المحكمة، وهو المعزي والملهم (يوحنا 15/26)، انه الحب بين الاب والابن وحركة العطاء المتبادل بينهما(2)، انه حركة الانبثاق اي تحقيق العطاء والمحبة، انه المنبثق من الاب والابن، وهو الاقنوم الالهي السادس، اما كلمة اقنوم فتعني (شخص)، وهو يعمل فينا وهو قوة رجائنا لمستقبل تجسّد نعمه في البشرية: "المحبة والفرح والسلام وطول الاناة والصلاح (غلاطية 5/22/23)، وبه يبدأ عالم جديد، لانه هو الذي يجدد كل شيء، وهو يعمل في الانسان ويمكث فيه ويعمل به "وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ". (1 كورنثوس 12: 3) والروح القدس "يصرخ فينا أبا ايها الآب" (غلاطيا 4/6).

وهناك فرق كبير بين النفس والروح "ترسل روحك فيخلقون وتجدد وجه الأرض" (مزمور 104)(3) الروح يعمل ليولد كل شيء، وهو الحياة الجديدة في يسوع.

الآب أرسل ابنه الوحيد في ملء الأزمنة، فأحيانا بصلبه وموته وقيامته، وأفاض علينا الروح القدس، روح النبوّة وهو منبثق من الآب والابن، وهو ينبوع المواهب الالهية وواهب الحياة للجميع، الروح القدس هو الباراقليط الذي تكلم قديماً في الأنبياء وفي آخر الأزمنة بالرسل، هو "مقدّس الكنائس ومكمّل الخدم الالهية وواهب الكهنوت ومتمّم المعموديّة ومحلّل الأسرار وغافر الخطايا. هو ذخيرة البنين روح الحق والحكمة والفهم والمعرفة والمخافة الحسنة (كتاب القداس الماروني ص 422).

ها أنا ذا يا رب أرسلتني لاشفي القلوب الكسيرة، وأعمد الشعوب باسمك وأحمل رسالة المحبة والسلام والمغفرة والفرح والرجاء، ما أجمل أن أنهي هذه الأفكار عن الروح القدس بهذه الصلاة من الطقس الماروني: "آبٌ واحد وابنٌ واحد مولود حق من إثنين، روح قدس هَلَّ انبثق آبٌ عقلٍ، ابنٌ كلمة، روحٌ صوتٌ، في التثليث والتوحيد، ربٌّ مطلق" (كتاب القداس الماروني ص 422).

ايها الروح القدس أَلْهِمْ حُكَّامنا والمسؤولين عنا رحمةً بشعبنا ووطننا وحفاظاً على كرامتنا وسمعتنا، أن يقدّموا لنا قانونا إنتخابياً جديداً يليق بعظمة وطننا وبمجده التاريخي وتاريخ شعبه، ويليق بمستقبل أولادنا ومغتربينا. فتعال يا واهب الفهم والقوة والتقوى ومخافة الله والعلم والمشورة، ولتثمر فينا نعمك وثمارها، المحبة الفرح السلام، طول الاناة، اللطف الصلاة الأمانة الوداعة وضبط النفس. هلمّ أيها الروح القدس يا معزّي الحزانى، أضرم ما كان باردا إشفِ ما كان معلولاً، طَهِّر ما كان دنساً إسقِ ما كان يابسا.

يا ينبوعا محبًّا ونارا ومحبة ومسحة روحية، يا مغني الحناجر بالنطق والانشاد، يا مضيء الحواس بالنور وساكب المحبة بالقلوب، ومشدد ضعف الاجساد بقوته، اعطنا معرفة بها نعرف الآب ونتعلّم ونحب الابن ونؤمن كل حين انك روح كليهما، وانت حالّ فينا لتعطنا السلام والفرح والمحبة والقوة والرحمة والحنان والرجاء والمصالحة والمسامحة. ايها الاقنوم الحي في ثالوثيّة ووحدة الله الاب والابن والروح القدس.

(1) المسيحية في عقائدها، المطران كيرلس سليم بسترس العدد 18 الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، منشورات المكتبة البوليسية، ص 250

(2) منطق الثالوث، الاب هنري بولاد، دار المشرق بيروت، 2012 ص 35

(3) معجم اللاهوت الكتابي، دار المشرق الطبعة السابعة ص 386