لم يُحرّك الانذار الاخير الذي وجهه الأمين العام لـ"​حزب الله​" السيد حسن نصرالله للارهابيين في منطقة جرود ​عرسال​ في الساعات القليلة الماضية قنوات التواصل التي انقطعت مؤخرا بين الطرفين، بعد أكثر من شهرين ونصف على المفاوضات بمسعى للتوصل لتسوية تقضي بخروجهم من المنطقة الى مناطق يحددونها داخل ​سوريا​. لا بل لجأت "​جبهة النصرة​" الى توجيه سلسلة تهديدات للفرقاء الذين يسهّلون عودة اللاجئين من عرسال الى قرى ​القلمون​ الغربي، كما للنازحين أنفسهم الراغبين بالعودة، لاقتناعها بأنّها بذلك تفقد "الغطاء المدني" الذي تسلّحت به طوال السنوات الماضية للحفاظ على وجودها في المنطقة.

وتستعد "الجبهة" التي على ما يبدو اتخذت قرارا نهائيا برفض منطق التسوية مع "حزب الله" لمواجهات عنيفة في الجرود خلال الايام او الاسابيع المقبلة، لن تتردد خلالها من استخدام "الانتحاريين" وبكثرة، معتمدة الأسلوب الذي ينتهجه "​داعش​" في ​الرقة​، خصوصًا وأنّها باتت محاصرة من الطرفين اللبناني والسوري ولا خيارات أمامها سوى القتال حتى آخر رجل، أو انتظار فتح ممر آمن لها في وقت لاحق الى مناطق سيطرتها في الداخل السوري. وتستغرب مصادر مقربة من "حزب الله" عدم خضوع "الجبهة" لشروط التسوية ومنطق المصالحات في ظل وضعها الراهن، لافتة الى ان الطروحات كانت تقول بالانسحاب الى ​إدلب​، او الى مناطق النظام بعد اتمام المصالحة او الى ان منطقة أخرى يحددونها، لكن الجواب الرسمي الذي وصلنا كان الرفض. وتضيف المصادر: "اليوم ضاقت كثيرا فرص التسوية والأولوية الحالية هي للعملية العسكرية التي باتت أقرب من أي وقت مضى".

ويبدو قرار حزب الله حازما في مجال اطلاق المعركة التي تأخرت برأيه كثيرا، "نتيجة ضغوطات داخلية وظروف سابقة كان يتم خلالها الاعتماد على خطاب مذهبي تراجع كثيرا في المرحلة الراهنة، لاقتناع معظم الفرقاء بوجود خطر حقيقي داهم في المنطقة يهدد اللبنانيين ككل وليس طرفا منهم". وتشير المصادر في هذا المجال الى انّه "لا يمكن السماح لهذه القوى باعادة تجميع نفسها وترتيب صفوفها لشن عمليات ارهابية جديدة في الداخل اللبناني، ومن هنا كان قرار الحسم العسكري". وتضيف: "مواقف رئيس الجمهورية كما عمليات الجيش المتواصلة داخل عرسال كذلك الاجماع اللبناني حول مواجهة الارهابيين، كلها تحصن الساحة الداخلية من اي تداعيات سلبية للمعركة وتجعل الأجواء المحيطة مريحة لانجاز المهمة سريعا".

وستتركز العمليات التي سيشنها الحزب، بالتعاون والتنسيق مع ​الجيش السوري​ الذي سيؤمّن على ما يبدو الغطاء الجوي كما صدّ اي محاولات للهرب باتجاه قرى سوريّة، على مواجهة عناصر "جبهة النصرة" لا عناصر "داعش"، باعتبار ان المنطقة الجغرافية التي تحتلها "النصرة" هي التي تشكل خطرا حقيقيا في الوقت الراهن بخلاف المنطقة التي تحتلها "داعش" والتي هي بعيدة نسبيا، وفق المصادر.

ولعل الصمت اللبناني الرسمي المحيط باستعدادات الحزب لشن المعركة كما بالضربات اليومية التي يوجهها ​الطيران الحربي السوري​ مستهدفا مواقع لـ"النصرة" داخل الأراضي اللبنانية، تُظهر ربّما وجود تفاهم بين القوى السياسية الرئيسية غير مُعلن على اعطاء "حزب الله" الضوء الأخضر لخوض غمار مواجهات الجرود على ان يتمركز الجيش اللبناني في صفوف خلفيّة لتأمين عدم تسرب أيّ من المجموعات والعناصر الهاربة الى داخل البلاد.