كما صار معروفًا، فإنّ القرار بحسم الجزء الثاني من معركة "الجرود"، وتحديدًا ​جرود القاع​ و​راس بعلبك​ إضافة إلى بعض التلال المحسوبة على ​جرود عرسال​، إنتقل من مرحلة الحُصول على "ضوء أخضر" سياسي إلى مرحلة التنفيذ العسكري المَيداني بعد أخذ "الضوء الأخضر" من السُلطة السياسيّة. فمتى تبدأ المعركة ضُدّ "داعش"، وكم ستدوم، وهل ستكون نهايتها شبيهة بنهاية المعركة مع "​جبهة النصرة​"، وبأي كلفة؟.

بالنسبة إلى موعد بداية المعركة، فإنّ الأحداث الميدانية تجاوزته، لأنّ المعركة مع إرهابيّي "داعش" بدأت منذ مُدّة، وهي أخذت خطًا تصاعديًا تكثّف بشكل واضح في الأيّام القليلة الماضية، علمًا أنّ وحدات ​الجيش اللبناني​ التي تقوم بقصف مدفعي وصاروخي بشكل يومي ضُدّ مواقع وتحصينات المُسلّحين في الجرود، والتي تُنفّذ بعض الغارات الجويّة بين الحين والآخر، ضيّقت الخناق أكثر فأكثر على "داعش" من خلال التقدّم والتمركز على بعض التلال(1) يوم الأحد. وسياسة تضييق الخناق على مُسلّحي "داعش" في الجرود مُرشّحة للإستمرار بشكل تصاعدي في الساعات والأيّام القليلة المُقبلة، بالتزامن مع إستمرار القصف الذي يستهدف الإرهابيّين لإضعاف قُدراتهم الدفاعيّة إلى أقصى حدّ مُمكن، علمًا أنّ موعد إنطلاق الهجوم البرّي الشامل على مواقع "داعش" من قبل وحدات الجيش اللبناني يتوقّف على ثلاثة مُعطيات:

أوّلاً: أن يستكمل الجيش اللبناني الخناق على الإرهابيّين في الجرود بشكل كفّي كمّاشة من الجهة اللبنانيّة، باعتبار أنّ جزءًا كبيرًا من مناطق سيطرة "داعش" يقع في جرود ​القلمون​ السوريّة. وبالتالي سيُواصل الجيش اللبناني في الساعات المُقبلة إنتشاره على التلال المحيطة بمواقع سيطرة إرهابيّي "داعش"، وتحصين المواقع التي تسلّمها من "​حزب الله​" أخيرًا، وتلك التي تقدّم إليها بغطاء ناري.

ثانيًا: أن يتمّ تنفيذ الإتفاق الذي تمّ مع "​سرايا أهل الشام​" في 23 تمّوز الماضي، خلال معركة "حزب الله" مع "جبهة النصرة"، والذي تضمّن مُغادرة مُسلّحي هذه "السرايا" برفقة أسرهم ومن يرغب من اللاجئين إلى منطقة آمنة خارج الجرود. وعُلم أنّ "سرايا أهل الشام" رفضوا الذهاب إلى إدلب بسبب خلافات مع "جبهة النصرة"، وهم إختاروا بلدة الرحيبة في القلمون الشرقي وهي منطقة غير خاضعة لسيطرة النظام السوري، علمًا أنّ وُصولهم إليها يستوجب المرور بمناطق تحت سيطرة ​الجيش السوري​ و"حزب الله"، ويتمّ حاليًا وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل تنفيذ تسوية الإنسحاب السلمي.

ثالثًا: أن تفشل كل مُحاولات التواصل مع "داعش" عبر وسيط خاص، وبالتالي أن يتمّ التأكّد من أنّ الإرهابيّين لا يُريدون التوصّل إلى تسوية ويُصرّون على القتال، مع الإشارة إلى أنّ السُلطة اللبنانيّة تشترط على "داعش" الكشف عن مصير العسكريّين اللبنانيّين المُختطفين منذ آب 2014، قبل الحديث عن أي بنود للتسوية. وبالتالي، في حال رفض تنظيم "داعش" الإرهابي التعاون عبر كشف مصير هؤلاء العسكريّين، لن يكون هناك من مجال لخروجهم سلميًا من المنطقة، ولن يكون أمام الجيش عندها سوى خيار إطلاق العمليّة العسكرية الهُجومية الكبرى لتحرير ما تبقى من مناطق حُدودية لبنانيّة بقبضة الإرهابيّين.

ويُمكن القول إنّ الساعات والأيّام القليلة المُقبلة حاسمة بالنسبة إلى ملفّ بقيّة الجرود اللبنانيّة التي لا تزال بقبضة الإرهابيّين، علمًا أنّ الجيش اللبناني لن ينجرّ إلى لعبة تضييع الوقت، وسيُواصل إجراءاته الميدانيّة وكأنّ المعركة واقعة غدًا لا محالة، لأنّ القرار إتخذ بإنهاء هذه الحالة الشاذة في الجُرود بشكل نهائي وكامل قبل إنقضاء فصل الصيف. ولا شكّ أنّه في حال فشل الوساطة مع "داعش" في كشف مصير العسكريّين لتجنّب المعركة الشاملة، فإنّ إحتمال التسوية سيسقط تلقائيًا، وسينطلق الهجوم البرّي للجيش اللبناني، والذي يُنتظر أن يتزامن مع إنطلاق هُجوم مُماثل من جانب الجيش السوري و"حزب الله" من جهة القلمون السوري، ولوّ من دون تنسيق علني وواضح بين الطرفين، تجنّبًا لإثارة ملفّ سياسي حسّاس داخليًا. وفي المعلومات أنّ المعركة لن تكون سهلة لأنّ تنظيم "داعش" يعتمد في قتاله كثيرًا على الإنتحاريّين، والكثير من عناصره هم غير سوريّين ويُقاتلون بشراسة حتى الموت، ويملكون العديد من الصواريخ المُوجّهة المُضادة للدروع. لكن في المُقابل، إنّ الجيش اللبناني المُدرك لكل هذه الحقائق، سيعتمد في هجومه البرّي الشامل سياسة تقدّم بطيئة لكن ثابتة، في ظلّ غطاء ناري كبير، ومع إشراك مجموعات قتالية مُتمرسّة في المعركة، حرصًا على تقليل عدد الإصابات في صُفوفه إلى الحد الأدنى.

في الخلاصة، المعركة البرّية الشاملة حتميّة في حال أصرّ تنظيم "داعش" الإرهابي على عدم كشف مصير العسكريّين، وخسارته الكاملة مسألة أيّام أو أسابيع قليلة على أبعد تقدير، علمًا أن لا مجال لأن تكون نهاية هذه المعركة شبيهة بتلك التي إنتهت إليها المعركة مع إرهابيّي "جبهة النصرة"، إلا في حال عودة العسكريّين اللبنانيّين سالمين. أمّا في حال إستمرار سياسة التعمية التي يعتمدها "داعش" بشأن مصير هؤلاء العسكريّين، وتسريبه معلومات عن إنشقاقهم وإنضمامهم إلى الجماعات الإرهابيّة، فإنّ المعركة ستتواصل حتى وقوع كامل مُسلّحي "داعش" بين قتيل جريح وأسير، مهما كلّف الأمر!.

(1) تلال ضليل الأقرع، ودوار النجاصة، وقلعة الزنار.