"أنا من طائفة أخرى... هل تتزوّجني؟" عبارة بسيطة لكنّها تُشكّل عقبة كبيرة أمام وُصول الكثير من علاقات الحُبّ المُفترضة إلى نهاية سعيدة في ​لبنان​، بسبب إستمرار منع تطبيق "​الزواج المدني​" محليًا، وإزدياد نسبة التعصّب الديني والإنغلاق المذهبي. فما هو عدد "الزيجات المُختلطة" في لبنان، وما هي أبرز مشاكل هذا النوع من الزيجات، وهل من أمل بتشريع "الزواج المدني" وبالسماح بتطبيقه فعليًا؟.

لا يُوجد في لبنان إحصاءات دقيقة بشأن الزيجات المُختلطة، لسبب بسيط أنّ هذه الزيجات لا تُسجّل في مكان واحد، حيث أنّ جزءًا كبيرًا منها يتمّ خارج "البيوتات الدينيّة" أي وفق صيغة "الزواج المدني"، وخارج لبنان، لا سيّما في قبرص(1)، وكذلك في ​اليونان​ و​تركيا​ ولوّ بنسبة أقلّ، مع العلم أنّ عبارة "الزواج المُختلط" لا تشمل الزواج بين شخصين من دينين مُختلفين فحسب، وإنّما من مذهبين مُختلفين. ويعود آخر إحصاء جرى في لبنان إلى العام 2013، وقد أظهر أنّ نسبة الزيجات المُختلطة بين الأديان والمذاهب المُختلفة تُشكّل نحو 15 % فقط من إجمالي عُقود الزواج المُسجّلة في لبنان(2)، أنّ أي أغلبية هذه الزيجات تتمّ ضمن الدين والمذهب نفسه. وأظهرت الدراسة عينها أنّ نسبة الزواج بين المذاهب المسيحيّة المُختلفة من مُجمل الزيجات المُختلطة تُقارب 70 % بينما تقلّ عن 20 % بين المذاهب الإسلاميّة، علمًا أنّ النسبة الأعلى للزيجات المُختلطة هي للموارنة الذين يتزوّجون من أشخاص من مذاهب أخرى، والنسبة الأدنى هي للدروز الذين يتجنّبون الإختلاط بالمذاهب الأخرى. وبالنسبة إلى عقود الزواج بين المسيحيّين والمُسلمين فهي تبلغ نحو 6 إلى 7 % فقط من إجمالي الزيجات المُختلطة في لبنان.

وبالنسبة إلى أبرز المشاكل التي تخرج عن هذه الزيجات، فهي تشمل إختلاف العادات والتقاليد والرأي إزاء مسألة تربية الأولاد وتنشئتهم الدينيّة والثقافيّة والإلتزامات الدينيّة بين عائلتي الشخصين المعنين اللذين ينتميان إلى دينين مُختلفين بالدرجة الأولى، وإلى مذهبين مُختلفين بالدرجة الثانية، علمًا أنّ تجاوز الإختلافات بين مذهبين ضمن الدين الواحد هي أكثر سهولة، خاصة بين المذاهب المسيحيّة، بينما تجاوز الإختلافات بين دينين مُختلفين هو أكثر صُعوبة، خاصة إذا كان الزوج ينتمي إلى ​الدين الإسلامي​ والزوجة إلى الدين المسيحي. وفي هذا السياق، تتركّز المُشكلة في الإختلاف بين الدينين الإسلامي والمسيحي على صعيد الزواج المُختلط، خُصوصًا لناحية حُقوق المرأة في حضانة الأولاد وفي الميراث وفي حقوق الطلاق. فزواج المسيحيّة من مُسلم تُطبّق عليه الشريعة الإسلاميّة في شأن الطلاق والميراث والأولاد، والدين الإسلامي يسمح للزوج بتعدّد الزوجات، وهذا ما لا يُجيزه إطلاقًا الدين المسيحي. والدين الإسلامي يُتيح الطلاق، بينما في الدين المسيحي، أقلّه في الكثير من المذاهب، لا يُوجد طلاق إنّما "بُطلان زواج" في حال وُجود الأسباب التي تُبطله. أمّا زواج الشاب المسيحي من فتاة مُسلمة فتطبق عليه شروط الزواج المسيحي، حيث تُعامل المرأة المُسلمة كما تُعامل المرأة المسيحيّة، لجهة الحُقوق والميراث والأولاد، إلخ. والتداخل بين القانون المدني والقوانين الدينيّة يزيد من تعقيدات حلّ المشاكل عند وقوع الخلافات في أي زواج مدني، على الرغم من مُحاولة المُشرّعين الفصل في هذا الأمر(3).

إشارة إلى أنّ بعض المحاكم الشرعيّة ترفض النظر بهذه النزاعات كونها ناجمة عن زواج مدني معقود خارج الأراضي اللبنانيّة بشكل مُخالف لأحكام الشريعة الإسلاميّة، الأمر الذي يُشكّل عقبة أمام حلّ هذا النوع من النزاعات.

إلى ذلك، إنّ الكنيسة تُخيّر الفتاة المُسلمة التي تريد الزواج من مسيحي، بين أن تُصبح مسيحيّة أو أن تبقى مُسلمة، وفي هذه الحال لا يُطلب منها سوى التعهّد بتربية الأولاد تربية مسيحيّة من دون إجبارها على أن تتعمّد، في حين أنّه في الدين الإسلامي يحق للمُسلم الزواج من غير مُسلمة باعتبار أنّ عائلته ستنشأ وفق المُعتقدات الإسلاميّة، فيما لا يحقّ للمُسلمة الزواج من غير المُسلم إلا إذا إعتنق الإسلام.

من جهة أخرى، ليس سرّا أنّ الكثير من الدول جعلت من الزواج المدني إلزاميًا، لكنّ لبنان لا يزال عاجزًا عن تشريعه ولوّ إختياريًا، وفي لبنان جرت أكثر من مُحاولة في الماضي لتمرير مسألة "الزواج المدني"، لا سيّما في العام 1999 في عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي، يوم حاز على أغلبيّة وزاريّة مُؤيّدة، لكنّ رفض رئيس الوزراء الراحل ​رفيق الحريري​ توقيع مشروع القانون المذكور آنذاك، مدعومًا من السُلطات الدينيّة المُختلفة، حال دون تمريره. وقد جرت مُحاولات لاحقة من قبل وزراء داخليّة سابقين، لا سيّما منهم ​زياد بارود​ ومروان شربل(4)، حجب المذهب عن سجلات القيد، وكذلك تمرير تعديل على إحدى المواد القانونيّة للسماح بتسجيل الزواج المدني الإختياري في لبنان، لكنّ هذه المُحاولات أجهضت بعد وُصول وزير الداخلية الحالي نُهاد المشنوق إلى منصبه.

وفي الوقت الحالي، وعلى الرغم من المُطالبات المُتفرّقة بين الحين والآخر، بتطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة، وبالتقيّد ب​الدستور اللبناني​ الذي يكفل الحريّات الشخصيّة، فإن لا أمل بحُصول عُقود "الزواج المدني" على الغطاء الشرعيّ والقانونيّ، لأسباب مُتعدّدة، في طليعتها ما هو مُرتبط بسطوة المرجعيّات الدينيّة وبنفوذها لدى القوى السياسيّة. ولا أمل أيضًا بحصول هذا النوع من الزيجات على المُباركة العائليّة والشعبيّة التلقائيّة، لتعصّب موروث إزداد حدّة في السنوات القليلة الماضية بسبب تفشّي الجرائم والمجازر تحت ستار الدين، وتوجّه المُجتمعات كافة في المنطقة والعالم، نحو الإنغلاق والتقوقع القومي والديني والمذهبي...

(1) يتمّ تسجيل ما بين 700 إلى 1,000 زواج مدني للبنانيّين في قبرص سنويًا، علمًا أنّ العديد من وكالات السفر اللبنانيّة تُسهّل على الراغبين بهذا النوع من الزيجات رحلتهم بأسعار بمتناول الجميع لكامل الرحلة ومُعاملات الزواج الإداريّة.

(2)جاء في دراسة عن هذا الموضوع أجرتها "الدوليّة للمعلومات" أنّه من أصل ما مجموعه 173,883 عقد زواج مُختلط، يُوجد 118,250 عقد بين المسيحيّين من مذاهب مُختلفة، و32,231 عقدًا بين المُسلمين من مذاهب مُختلفة، علمًا أنّ مجموع العقود بين المسيحيّين والمُسلمين من مذاهب مختلفة بلغ 10,797 عقدًا.

(3) نصّت المادة 79 من قانون أصول المُحاكمات المدنيّة على أنّه: "تختصّ المحاكم اللبنانيّة المدنيّة بالنظر في المُنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تمّ في بلد أجنبي بين لبنانيّين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المُقرّر في قانون ذلك البلد. وتُراعى أحكام القوانين المُتعلقة باختصاص المحاكم الشرعيّة والدرزيّة إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمّدية وأحدهما على الأقل لبنانيًا".

(4) في 10 تشرين الثاني 2012 وقّع وزير الداخلية السابق زياد بارود أوّل عقد زواج مدني في لبنان، قبل أن تعود العراقيل لتعرقل توقيع مثل هذه الزيجات محليًا.