ستيفان بادوك، اسم لم يكن يعني شيئاً لاحد في العالم، سوى لاشخاص معدودين جداً في ​الولايات المتحدة​، ولاشخاص في ​الفلبين​ لا يتعدى عددهم عدد اصابع اليد. وبين ليلة وضحاها، اصبح بادوك في كتب التاريخ، ليس من باب الانجازات، بل من باب ارتكابه ابشع جريمة في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر، وتحديداً في ​لاس فيغاس​، فقتل 58 شخصاً وتسبب في جرح اكثر من 500 آخرين.

اختلفت الآراء والتقديرات حول انتماء بادوك الى "داعش" او لا، وفي حين اكد التنظيم ​الارهاب​ي انه واحد منهم، لم تجد السلطات الاميركية اي رابط له مع منظمات دولية ارهابية. ووسط هذه المعمعة لتحديد الاسباب التي ادت الى حصول هذه المجزرة، لا يمكن في اي حال من الاحوال انكار تأثير الارهاب والفكر الارهابي على المجتمعات العالمية. هذا السبب نفسه، هو الذي دفع بالمئات من المنضمّين الى المنظمات الارهابية (نختصرها بـ"داعش" كي لا نعددها كلها، وكون هذا التنظيم الارهابي بات الاشهر عالمياً)، المجيء من مختلف انحاء العالم للقتال في الشرق الاوسط، او للتجند في دولهم للقيام بأعمال ارهابية ادت وتؤدي الى مقتل المئات.

صحيح ان الجرائم الكبيرة موجودة عبر التاريخ وقبل ظهور موجة الارهاب غير المسبوقة التي انتشرت في السنوات الاخيرة، ولكن صحيح ايضاً ان عدد الذين قتلوا جراء اعمال ارهابية خلال فترة زمنية قصيرة غير مسبوق، وان الفكر الارهابي تغلغل في عقول الناس بحيث بات من السهل ارتكاب الجرائم، حتى غير الارهابية منها، و"التلذذ" برؤية اناس ابرياء يموتون ارضاء لنزوة اشخاص مريضين قرروا انهم يستطيعون لعب دور الله. فترة قصيرة تفصلنا عن نهاية "داعش" بشكل رسمي قد تستغرق اسابيع او اشهراً، ولكنها آتية لا محال، انما "الزرع السيّء" الذي تركه هذا التنظيم وغيره من المنظمات الارهابية سيلاحق العالم لسنوات. صادفنا عالمياً في السابق مجرمون قاموا لسنوات بارتكاب جرائم فرديّة فظيعة، ومن بينهم من ارتكاب جرائم متسلسلة، انما الجرائم الجماعيّة كانت تمر خلال فترات متباعدة وغالبيتها يعود الى تواجد "مافيات" وحروب العصابات.

اما اليوم، فأصبح هناك "موضة" القتل، وزادها خطورة الاساليب التي اعتمدها الارهابيون في تنفيذ جرائمهم ضد الانسانية، فطبّقوا القتل بطريقة لم نشهدها سوى في الافلام او المخيلة، وحوّلوا الناس الى "فئران تجارب" في مختبرات التعذيب التي اعتمدوها مقراً لهم، والافظع من كل ذلك ان ​وسائل التواصل الاجتماعي​ كانت تنقل هذه المشاهد المروعة وتضعها في متناول الجميع (كباراً وصغاراً)، فتساهم من حيث تدري او لا تدري، في خلق جيل من الوحوش البشرية سيتطلب وضع حد له او اعادة تأهيله سنوات طويلة.

لا يمكن انكار تأثر بادوك بافكر الارهابي، لانه وعلى الرغم من كونه متقدماً في العمر بعض الشيء، الا انه وفق ما تحدث به خبراء، ليس من المنطقي حصر الاسباب بـ"الجنون" او خسارة الاموال او التأثيرات السلبية اجتماعياً ونفسياً، لانه في اقصى الحالات تؤدي هذه الامور الى ارتكاب جرائم تنحصر بالاشخاص المتواجدين بالقرب من الجاني، بينما كان بادوك متحضراً بشكل متقن ولم يدع اي هفوة تصل الى مخططه الاجرامي، فكانت ذخيرته اكثر من كافية لاعداد البنادق الكبيرة التي اكتشفت في الفندق (وفي منزله ايضاً)، والكاميرات التي زرعها كفيلة بجعله على اطلاع تام بما يجري من حوله خارج الغرفة.

معضلة وحيدة بقيت تحيّر الخبراء وهي كونه انتحر، الا ان البعض يرى ان هذه المسألة تشابه الى حد كبير العمليات الانتحارية التي يقوم بها الارهابيون حين يفجّرون انفسهم، وما قام به بادوك ادى الى خسائر بشرية تفوق بكثير التفجيرات الانتحارية، وان انتحاره يصب في اطار النتيجة نفسها...

ارهابي ام غير ارهابي... الى ان تحل هذه المسألة ويتم تحديد انتماء بادوك، يبقى الاكيد ان ايادي "داعش" والمنظمات الارهابية ستبقى تعبث في عقول الناس، وعلينا التحضر للتأقلم مع مقاربة جديدة للتعامل مع ما تركه الارهاب من افكار في اذهان البشر في مختلف انحاء العالم.