الكباش السعودي ال​إيران​ي الذي تقوم عليه أزمات المنطقة بثقلها أرخى بظلاله على مختلف الملفات المفتوحة فدون حلّه لا حلول، وبتعقيده المزيد من التصعيد المتبادل بأوراق يدرك الطرفان أنها حارقة، إذا ما تمّ الذهاب إلى آخر الطريق، فلا إيران مستعدّة لبذل المزيد من الخسائر بعد الحرب التي عصفت بحلفائها والتي شاركت فيها لوجستياً وعسكرياً، ولا ​السعودية​ مستعدة لإطالة عمر حرب عبثية في اليمن صارت كل التطورات وجزء منها تصعيد سعودي غير مسبوق هدفه وقف «الحرب».

الطرف الإيراني مؤمن أن هناك شيئاً كبيراً تغيّر في اليمن وأن حلفاءه ​الحوثيين​ انتصروا بقلب المشهد لصالح فرض لغة اقتسام السلطة التي لم تكن واردة قبل الأزمة. وهو الأمر الذي يبدو أنه غير مقبول سعودياً. فحتى اللحظة لا تبدو مؤشرات توحي بأن السعوديين وحلفاءهم الخليجيين مقتنعون بهذا التحوّل ولا يبدو أن أحداً مستعدّ لقبول مشاركة الحوثيين بالسلطة من دون شروط، فنموذج ​حزب الله​ في ​لبنان​ هو الحاضر الأكبر. وهنا تتكثّف التقارير الأمنية من بداية الأزمة التي تتحدّث عن دور «إسرائيلي» في إطالة عمر ​الحرب اليمنية​، لأن الحرب التي يحكمها حرب «المضائق» وسفن النفط التي تستطيع إيران وحدها عرقلة مرورها. «باب المندب» هي المعركة الأساس والنفوذ تتوزّع بحسب القدرة على السيطرة على المعابر والمنافذ البحرية والبرية وهي التي ترسم سيادة اليمن والجوار السعودي، ومعها الهالة الإيرانية الطاغية كهاجس يعيشه الخليجيون بأدقّ تفاصيله.

وعليه وعد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان في أحد تصريحاته الصحافية بأن بلاده «ستعمل على نقل المعركة إلى داخل إيران». وبالفعل كان ذلك بشكل سريع، لكن يبدو أن الإيرانيين تحسبوا لذلك بعد وثائق عن خطة لإبن سلمان وجاريد كوشنير «صهر الرئيس الأميركي» مدعومة «اسرئيلياً» من أجل رمي الورقة الكبرى بوجه الحكم الإيراني لا لإسقاط النظام فقط، بل للضغط قدر الإمكان على تنازلات صارت ضرورية لحفظ نفوذ السعوديين في المنطقة، خصوصاً اليمن. وهي الملف الذي لا يتفوّق عليه أي ملف آخر بنظر الرياض.

وباعتبار أن الحرب في اليمن تمسّ أمن المملكة العربية السعودية المباشر، فإن هذا يُشرّع التدخل السعودي في التحرّكات الإيرانية أو التظاهرات التي تقول قوات الامن الإيرانية إنها موثقة. ولهذا السبب فإنها تتعامل مع هذه التظاهرات بشكل مغاير عن تلك التي جرت عام 2009 وما عرف حينها بـ «الثورة الخضراء» نظراً لاعتبار ان الظروف الحالية مختلفة عن تلك التي عاشتها إيران. فحينها لم تكن طهران واقعة ضمن مسار تحالفي يفرض عليها الدخول في معارك ميدانية مباشرة في سورية و​العراق​ ودعم حلفائها في اليمن. يُضاف إلى ذلك أن التظاهرات في عام 2009 كانت أضخم حجماً وكما قامت على اعتراضات من ضمنها أسماء مؤسسة للثورة وجزء لا يتجزأ من مدرسة الإمام المؤسس الخميني. مع العلم أن التدخل الاستخباري حينها غربياً كان ملحوظاً بالخلاصة الإيرانية، لكنها أيضاً كانت أزمة سياسية بامتياز.

وعلى أن إيران اليوم بظروفها تختلف عن الفترة تلك فإن إشغالها وبث القلق يجعل التشدّد سيد الموقف عندها ويضعها امام ضرورة إحكام الشروط في معالجة تطورات المنطقة تفاوضياً وسياسياً، وتعقّد المسألة فأحد لا يظنّ من بين العارفين بالنظام الإيراني أن إيران يمكنها أن تفرط بأمنها السياسي والمس بالنظام العقائدي الذي جلب لها الانتصارات، حسب تعبيرها، آخرها الحق بالقوة النووية امام العالم.

اللافت أن التطورات في إيران المدعومة سعودياً هي محاولة ثالثة بعد فشل الأولى في محاولة انقلاب ضخمة في ​تركيا​ تموز 2016، والثانية في حصار قطر تمهيداً لسيطرة سياسية وأمنية وتقليب الحكم ضمناً على النظام الحالي.

حرص الأتراك على الوضع الأمني في إيران كان واضحاً في الأيام الأخيرة، وتركيا التي تعي تماماً أن إيران اليوم حليف جيد سياسياً واقتصادياً تؤكد دائماً أنها وطهران تتشاركان الأمن السياسي والقومي في ما يتعلق بتقسيم العراق ودولة ​الأكراد​ وصولاً حتى الوضع السياسي في مستقبل سورية. ولهذا السبب فإن مؤتمرات ​كازاخستان​ أستانة وسوتشي وغيرها ممن تحضر فيها إيران لا تنفكّ تعقد بحضور أبرز المعنيين الأتراك اضافة إلى تعاون أمني واستخباري وثيق في الفترة الماضية. وكل هذا انعكس على العلاقات الإيرانية القطرية، بحيث صارت قطر إحدى الدول التي تعتبرها إيران جارة لطيفة الحضور وجاهزة لإزعاج الجيران الخليجيين، كل ما استدعى الأمر إضافة إلى انعكاس ذلك على حركة ​المقاومة الفلسطينية​ المسلحة، تحديداً حماس، ومن شأن أي تقارب تركي إيراني قطري أن ينعكس إيجابياً عليها ويوحّد الموقف باتجاه انتفاضة داخل «إسرائيل». تقول قيادات حماس لـ «البناء» إنها آتية لا محالة بالتوقيت المناسب مع تأكيدها أن إيران حليف اساسي في هذه الانتفاضة. وكل مَن يمد يد العون لدعم الفلسطينيين من الأمة الإسلامية والعربية.

هذه الانتفاضة والأوضاع المتوترة في الأرض المحتلة تمنح تركيا وقطر تفوقاً مباشراً على الحضور الخليجي الذي صار موضع شك لجهة منح الأميركيين شرعية مباشرة لإعلان ​القدس​ عاصمة لـ«إسرائيل» من دون اعتراضات تُذكر. وفي كل الاحوال، عندما تحضر القضية «الأم» فلسطين، فإن كل اللاعبين خارج سياقها هم في عداد الخاسرين، لجهة كسب الرأي العام العربي والإسلامي.