الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود؛ هل تتحول قضيّته من مالية إلى معضلة سياسية دولية؟ الحدث الأبرز الفردي هذا الأسبوع كان إطلاق سراح الأميرالوليد من مكان احتجازه في المملكة العربية ​السعودية​. سبق هذا التطوّر مقابلة مصوّرة أجراها مع وكالة رويترز بدا فيها مرتاحاً وصرّح أنّ بقاءه في فندق الريتز طوعيٌ لإنهاء بعض الملابسات بشأن أموره المالية. على قدر البلبلة التي أثارها توقيفه، إطلاق سراحه أتى هادئا ولغزاً إعلامياً. هو يلتزم الصمت. ليس وحده ينفّذ تعهّد التكتّم. صورته الحديثة التي أظهرت مدى نحالته البدنية تتكلّم. ولكن، بعيداً عن الأجواء الإعلامية التي سادت، واقعٌ قانوني لا يمكن التغاضي عنه.

سُرّب خبر عن دعوى تجارية مالية في المحكمة الاتحادية الأميركية من الأمير الوليد بن طلال بوجه السلطات السعودية بسبب إلحاقها الخسائر باستثماراته في ​الولايات المتحدة الأميركية​ نتيجة توقيفه التعسفي؛ والمطالبة بمئة مليار دولار كتعويض.

الحجز على ودائع وأصول و استثمارات سعودية بمبلغ 100 مليار دولار في أميركا إجراء تمهيدي يترافق مع الدعوى القضائية ويصبح تنفيذياً بعد صدور الحكم النهائي. هل ما سبقَ ذكره صحيح و حصل فعلاً؟.

لا قضايا قانونية تُخفى في الولايات المتحدة الأميركية. فيما لو تكتّم عن ذلك مكتب الوكلاء القانونيين في نيويورك؛ فالصحافة لن تجدَ أكثر دسامة للرأي العام من هذه القضية. سننتظر .الأشهُر المقبلة ستكشف الكثير وتجيب عن تساؤلات عدّة :

-هل أنقذ الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الوليد بن طلال فطلب من ولي العهد محمد بن سلمان اجراء تسوية لإطلاق سراحه بعد أن أيقن أن تداعيات دعوى الوليد إن تمّت فهي خطيرة؟

-هل أنقذ الوليد بن طلال نفسه بحنكته ودهائه وصموده فأزال كل "الإلتباسات" التي كانت؟

-هل تدّخلت دول أجنبية يحمل جنسيتها لإنهاء هذه القضية التي باتت تشكّل عبئاً اقتصادياً عليها؟

-هل حُلَّت القضية سعودياً بضغوط أو باجراءات بحت داخلية؟

بالمناسبة، هل حاول ​لبنان​ متابعة قضية الوليد بن طلال لا سيّما أنّه يحمل الجنسية اللبنانية؟ إن لم يفعل، فلماذا؟

لا بدّ من التذكير، إلى أنّه لطالما كان الأمير الوليد حاضراً مالياً في الوقت المناسب بالنسبة لدونالد ترامب.

ففي العام ١٩٩١ اشترى يخت الرئيس الخاص. استثمر في مشروع كازينوهاته في "أتلانتيك سيتي". في العام ١٩٩٥ أنقذ الوليد بن طلال فندق "بلازا" في نيويورك، أحد المعالم الرئيسية للمدينة، والذي كان ترامب مالكا أساسيا فيه. تستمرّ استثمارات الأمير السعودي في قطاعات العقارات والتكنولوجيا الأميركية وغيرها حتى اليوم بمليارات الدولارات. لكن رأيه بالرئيس الأميركي لم يكن إيجابياً. بالنسبة للسعودية، تُقدَّر قيمة السندات والأصول السعودية في الولايات المتحدة الأميركية بـ١٠٠٠ مليار دولار(تريليون دولار).

مئة مليار دولار قد تكون كارثية، ولكن، إنّ أيّ حجز اليوم، سيعيد النوايا والضغوط لتحريك آلاف الدعاوى التي رفعت من ذوي ضحايا هجوم ١١ ايلول ​الإرهاب​ي للمطالبة بالتعويضات.

في ايلول من العام ٢٠١٦ صادق ​الكونغرس الأميركي​ على قانون "تطبيق العدالة ضدّ رعاة الإرهاب" المعروف بقانون "جاستا" الذي يسمح لضحايا الهجمات بمقاضاة المسؤولين الأجانب امام المحاكم الأميركية لطلب العطل والضرر. يبدو أنه منذ سنتين حتى اليوم يعود الحديث عن تحريك الدعاوى المجمّدة .هذا ما أكّده مكتب المحامي الاميركي الوكيل في المئات من هذه الدعاوى جاك كوين كَون معظم الارهابيين الذين ارتكبوا هجمات ١١ ايلول هم من التابعية السعودية. بالمقابل يؤكد قانونيون أميركيون استحالة إثبات مسؤولية الدول في هذه القضايا. لكن، الحجز الاحتياطي وارد في اي لحظة يعاد فيها تحريكها. ما سيؤدي حتماً الى إرهاق الاقتصادين السعودي والأميركي على حدّ سواء، لا سيّما في هذه الأوجه :

أوّلاً: تحكّم السعودية بأسعار البترول مع ما سيكون له من تداعيات سلبية على "البترودولار".

ثانياً: سَحب السعودية مدّخراتها من الصناديق السيادية في الولايات المتحدة الأميركية كإجراء استباقي.

ثالثاً: قرار من ​مجلس التعاون الخليجي​ بالحدّ من صفقات شراء الأسلحة من أميركا. (إن السعودية اليوم هي أكبر المستوردين منها بنسبة ١٣٪‏).

رابعاً: وقف الاستثمارات السعودية في أذون وسندات أميركية؛ علما انها بلغت ١١٣ مليار دولار في العام المنصرم.

خامساً: عودة الرياض عن قرارها بالاستثمار في البنية التحتية الأميركية الذي حددته بمبلغ ٤٠ مليار دولار.

سادساً: تأثير كلّ ما ذكر على سعر الذهب بمقابل سعر صرف الدولار.

في ظلّ الحروب العسكرية الدائرة، لا مكان الآن لحرب القوى الاقتصادية. يسود الغموض قضية شخصين سعوديين لبنانيين، في فم كل منهما سرّين. هل تُبَقّ "بحصتين"، بحسب المثال الشعبي اللبناني، فتسقط معهما جدار وأسوار وتظهر الحقيقة؟ أم انتهى اللغز بين ١ و١٠٠ مليار؟. ليس العصر عصر اسرار. وحدها القضايا الفردية والخاصة شأن أصحابها. حتى هذه، في عولمة التكنولوجيا باتت عامة. كلّ شيء يدلّ أننا سنشهد ما يشبه "ويكيليكس" من نوع آخر.