اتخذت العلاقة بين ​لبنان​ و​السعودية​ منحى مغايراً منذ قضية احتجاز رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​، حيث وقف لبنان وللمرة الاولى في وجه المملكة سياسياً ودبلوماسياً وافرغ اجندته اليومية ونشاطاته الرسمية من اجل المطالبة بعودة الحريري، ولم يوفّر اي سبيل في هذا المجال، حتى اعلاء الصوت وتسمية الامور بأسمائها دون مواربة، وخلع قفازيه الدبلوماسيتين الى ان كان له ما اراد.

ومنذ ذلك الحين، بدأت الامور تتغيّر شيئاً فشيئاً، فكان ركود تام الى ان تم ​الاعلان​ عن تبادل السفراء بين البلدين بشكل رسمي بعد فترة طويلة، وانكسرت وتيرة الركود بشكل تام بعد "تسريب" خبر ارسال موفد ملكي سعودي الى لبنان للقاء رؤساء الجمهورية و​مجلس النواب​ والحكومة، وايصال رسالة مفادها انه سيسلم الحريري دعوة ملكيّة لزيارة السعودية.

في المبدأ، ليس هناك ما يستحق التوقّف عنده، لأنّ اصول العلاقات بين البلدين تفرض، عند الرغبة بتوجيه دعوة من بلد الى آخر، ان يتم التواصل اما بين المسؤولين مباشرة او عبر موفد يسلم الدعوة بشكل علني ويتم الاتفاق على موعد الزيارة عبر القنوات الدبلوماسية. ولكن ما يلفت الانظار في قضيّة المبعوث السعودي الى لبنان، هو التركيز على انه سيسلّم دعوة الى الحريري لزيارة ​الرياض​، وهو امر يمكن اعتباره سابقة في العلاقة، ليس بين لبنان والسعودية، انما بين ​آل الحريري​ والرياض.

لا يمكن لاحد ان ينكر او يغضّ الطرف عن عدم زيارة الحريري للسعودية مرة واحدة منذ المشكلة التي حصلت معه هناك، والتي تدخلت فيها دول كبرى، فيما كانت سفراته الى الرياض شبه اسبوعيّة او يفصل بينها عدد من الايام لا يتعدّى عدد اصابع اليد. ولعل الدليل الأبرز على ما نقول، توجهه في اليوم الشهير الى الرياض بناء على اتصال هاتفي ورده من ​الديوان الملكي السعودي​، وانتقل بشكل فوري الى المملكة وحصل ما حصل...

اليوم، يبدو ان السعودية استوعبت المسألة، وعمدت الى مراجعة حساباتها، وفضّلت ان تبقي على حضورها في لبنان بشكل فاعل، وليس عبر بعض الاشخاص الذين لا يكفّون للعب الدور الذي كانت تلعبه المملكة في هذا البلد، وخصوصاً اننا على ابواب انتخابات نيابية بدأت التحضيرات الجدية لها، فيما ارتفع منسوب الكلام الانتخابي بين المرشحين...

وما يمكن ملاحظته، ان السعودية تعلم تماماً ان العلاقة مع الحريري لن تعود الى سابق عهدها، فلا هي بوارد الاعتراف بأنّ ممارستها كانت خاطئة، ولا الحريري قادر على نسيان ما حصل، ولكن بين الموقفين هناك مساحة من المنطق والعقلانيّة التي تفرض ابقاء "شعرة معاوية" سليمة بينهما. فهناك الكثير لتخسره الرياض بقطع علاقتها بالحريري على الصعيد اللبناني، فيما الاخير سيخسر ايضاً على الصعيد الاقتصادي والمالي. من هنا، يمكن القول ان عودة النبض الى هذه العلاقة، ولو بحدّه الادنى، من شأنه ان يبقي السعودية على الخط اللبناني، وقد تحاول الرياض اقناع الحريري بتحالفات ما في مناطق معيّنة من اجل الابقاء على التوازن السياسي والتمثيل الطائفي القوي في هذا الظرف الراهن. ولكن الامر لن يكون سهلاً، ليس بسبب فقدان عامل الثقة بين الاثنين، وانما بسبب التحالفات التي نسجها الحريري بالقول والفعل مع عدد من الافرقاء السياسيين في لبنان وفي مقدمهم "​التيار الوطني الحر​"، ناهيك عن ان الحريري وبعد "تحرره" من "المونة" السعودية عليه، قد يطلب وقف الدعم السعودي عن منافسيه ومن باتوا اليوم من اخصامه في السياسة بعد ان كانوا من القريبين منه.

لن يتوقّف الجميع كثيراً عند ما سيقوم به الموفد السعودي في ​بعبدا​ و​عين التينة​، انما الانظار ستتركز على ما سيسفر عن اللقاء مع الحريري وما سيليه قبل اقل من ثلاثة اشهر على الاستحقاق الانتخابي.