تُعطي "​القوات​ اللبنانيّة" أهمّية كبرى لدائرة الشمال الثالثة التي تضمّ "بشرّي–​الكورة​–​زغرتا​–​البترون​"، ليس لأنّها تريد الإحتفاظ بمقاعدها الأربعة فيها وحتى برفع هذا العدد، بل لأنّها تُريد إثبات حُضورها الشعبي الواسع جدًا في الشمال، والتفوّق على ثلاثة مُرشّحين آخرين للرئاسة، هم كل من رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" وزير الخارجيّة جبران باسيل، ورئيس "تيّار ​المردة​" النائب سليمان فرنجية، والنائب بطرس حرب. وفي الوقت الذي تمرّ فيه العلاقة بين "القوّات" و"تيّار المُستقبل" بمطبّات صعبة لأكثر من عامل وإعتبار، إنّ من شأن قيام "المُستقبل" بمُحاربة لائحة "القوّات" في دائرة الشمال الثالثة، عبر منح أصوات ناخبيه لخُصومها، أن يُشكّل "نقطة المياه" التي ستتسبّب بفيضان كوب الماء. فهل يُقدم على ذلك؟.

لا شكّ أنّ طبيعة القانون الإنتخابي الجديد جعلت المَصلحة تتقدّم على أي إعتبار في تركيب اللوائح، وجعل المُنافسة تتسلّل إلى قلب اللائحة نفسها بحيث يسعى المُرشّحون على المقاعد عينها إلى التنافس على كسب "الصوت التفضيلي" من الناخبين على حساب زملائهم. وهذا الأمر يُفسّر تركيبة العديد من اللوائح الهجينة على إمتداد مساحة لبنان، لكن في دائرة الشمال الثالثة لا وُجود لأي مرشّح مُسلم، بل 10 مقاعد مُخصّصة للمسيحيّين، ما يَعني أنّ دور الناخبين المُسلمين، وبالتحديد السنّة (عددهم 9976 في زغرتا، و8626 في الكورة، و3764 في البترون، و109 في بشرّي، بمجموع 22,475 ناخبًا) سيمنح تقدّم لائحة على لائحة ويؤمّن فوز مُرشّح على آخر. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة حتى هذه اللحظة، فإنّ "تيّار المُستقبل" يتجه لأن يمنح أصواته الكثيرة في زغرتا، لصالح اللائحة المَدعومة من "تيّار المردة"، ويتجه لمنح أصواته الكثيرة في الكورة أيضًا لصالح النائب نقولا غصن، ويتجه لمنح أصواته المُتواضعة في البترون لصالح الوزير باسيل، في حين أن لا أهميّة على الإطلاق لعشرات الناخبين في بشرّي، أيّا تكن وجهة تصويتهم. وبالتالي، في حال قام "تيّار المُستقبل"، وبتوجيهات من رئيسه رئيس الحُكومة سعد الحريري طبعًا، بتوزيع أصوات مُناصريه ومُؤيّديه بالشكل المذكور أعلاه، فهو سيكون يُحارب لائحة "القوّات" بشكل مُباشر، ولوّ تحت ستار توزيع أصواته على أغلبيّة المُتنافسين، باستثناء "القوّات" عمليًا. فأصوات "المُستقبل" في كل من زغرتا والكورة ستساهم في رفع "الحاصل الإنتخابي" للائحة المَدعومة من التحالف الإئتلافي الذي يجمع ما بين "تيّار المردة" و"​الحزب القومي​ السوري الإجتماعي" والنائب بطرس حرب، باعتبار أنّ "الحاصل الإنتخابي" في دائرة الشمال الثالثة الإنتخابيّة مُقدّر بحُدود 11,500 صوت، بحسب التوقّعات. وأصوات "المُستقبل" في البترون سترفع "الحاصل الإنتخابي" للائحة "التيّار الوطني الحُرّ" ولو بشكل طفيف، لكنّ الأهم أنّها سترفع نسبة "الصوت التفضيلي" التي سينالها رئيس "التيّار" الوزير جبران باسيل، المُرشّح عن المقعد الماروني في البترون، بشكل مُهم ومُؤثّر، باعتبار أنّه يُوجد في قضاء البترون 57614 ناخبًا إضافة إلى 3059 ناخبًا مُسجّلين في الخارج. وبالتالي، في حال إنتخاب ما بين 50 إلى 60 % من هؤلاء، وتوزّع تصويتهم على اللوائح الثلاث الأساسيّة في دائرة الشمال الثالثة، تُصبح بضعة آلاف من الأصوات مُهمّة وحاسمة في ترجيح فوز مرشّح على آخر.

إشارة إلى أنّ "تيّار المُستقبل" لا يزال حتى تاريخه يناور في بت تحالفاته النهائية، ويضغط على حزب "القوّات" في أكثر من دائرة، مع إستثناء دائرة "الشوف-عاليه" التي إجتمع فيها مرشّحو "المُستقبل" و"القوّات" بفضل جُهود "الحزب التقدّمي الإشتراكي" الذي ضمّ بداية "المُستقبل" ليكسب دعم الجزء الأكبر من سُنّة إقليم الخروب، قبل أن يمدّ يده إلى "القوّات" ليكسب دعم جزء كبير من مسيحي "الجبل"، في مُواجهة منافسيه الدروز، و"التيّار الوطني الحُرّ".

لكنّ "تيّار المُستقبل" يرفض حتى الساعة المُوافقة على ترشيح "القوّات" للمحامي إيلي لحّود عن المقعد الماروني في دائرة "​البقاع​ الغربي–راشيا"، ويُطالبها باستبداله بمرشّح عن المقعد الأورثوذكسي للتحالف معها في هذه الدائرة، لأنّه يرغب بترشيح هنري شديد عن المقعد الماروني. وفي دائرة "عكّار" وعلى الرغم من تعثّر التحالف بين "تيّار المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُر"حتى إشعار آخر، نتيجة صراع الطرفين على المقعد الماروني(1)، لم يُوافق "المُستقبل" على التحالف مع "القوات" التي تكتفي بترشيح العميد المتقاعد وهبي قاطيشا عن أحد المقعدين الأرثوذكسيين، ويشترط على "القوّات" تقديم تنازلات في دوائر أخرى، للمُضي قُدمًا بالتحالف معها. وفي دائرة "صيدا جزين" حيث تُرشّح "القوّات" عجاج حداد عن المقعد الكاثوليكي في جزين، يرفض "المُستقبل" التحالف معها، كونه يطمح بالحُصول على هذا المقعد لصالح مرشّحه وليد مزهر، على أمل أن يُعوّض الخسارة المُحتملة بنسبة كبيرة لأحد مقعديه السنّين في صيدا. وحتى في دائرة "بعلبك–الهرمل"، حيث للتيار "الأزرق" مصلحة مُشتركة بالتحالف مع "القوّات" لموُاجهة لائحة "​حزب الله​" القويّة، لم يحسم "المُستقبل" خياره بوضع اليد مع "القوّات"، كونه يرغب بدوره بتقديم ترشيحات عن أحد المقعدين المسيحيّين في هذه الدائرة بشكل مُباشر.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ المصلحة الإنتخابيّة الخاصة بكل حزب أو تيّار تتقدّم حاليًا على ما عداها من إعتبارات، بما فيها الرُؤية السياسية الإستراتيجيّة، لكنّ هذا الأمر لا يعني على الإطلاق العمل على إضعاف وإسقاط حلفاء سياسيّين تحت هذه الحجّة، كما يحصل بين "تيار المُستقبل" وحزب "القوّات اللبنانيّة" حاليًا. ويُمكن القول إنّ "القوات" التي تتصرّف حتى اللحظة من موقع "أم الصبّي"، قد تجد قريبًا أن شعرة مُعاوية الإنتخابيّة التي تربطها بتيّار "المُستقبل" مُعرّضة للإنقطاع، في حال أصرّ على مُحاربتها في دائرة الشمال الثالثة.