لفت الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة والبيئة القابضة، وهي شركة إستشارية مستقلّة مقرها في الدوحة، ​رودي بارودي​، إلى أنّ "التوترات بين ​لبنان​ و​إسرائيل​ تشتعل مرّة أخرى، وهذه المرة حول ترسيم حدودها البحرية، وبالتالي، الملكية الشرعية لحقول ​النفط والغاز​ البحرية"، مشيراً إلى أنّ "حتّى الآن لم تنجح محاولات حل النزاع، لكن في حين أنّ التحدي صعب بشكل واضح، فإنّ الوضع بعيد عن كونه لا يمكن تعويضه أو تصحيحه إذا مارس الجانبان ضبط النفس وعزما على تسوية خلافاتهم عن طريق الدبلوماسية والحوار".

وأوضح أنّ "الجهود الدبلوماسية معقّدة بسبب العديد من العوامل الّتي تعيق العديد من الطرق المعتادة لحلّ النزاع"، مركّزاً على أنّ "التنبه أو الوعي لهذه العوامل والشروط الّتي تفرضها، هو أمر ضروري ولا بد منه ، لا سيما من منظور لبنان الّذي سيحتاج إلى السير على حبل إفتراضي لحماية حقوقه مع تجنّب المزيد من التصعيد والصراع".

وركّز بارودي على أنّ "لبنان وإسرائيل ليس بينهما علاقات دبلوماسية، حيث بقيتا في حالة حرب قانونية منذ عام 1948. لبنان لا يعترف بإسرائيل، والأخيرة هاجمت وغزت واحتلت لبنان مرات عديدة، وأحدثها كانت الصراع واسع النطاق الّذي حدث في عام 2006"، منوّهاً إلى أنّ "المشكلة الأساسية هي أنّ غياب العلاقات الدبلوماسية يشكّل مشكلة كبيرة للنزاعات حول الموارد الخارجية. ومعظم التعيينات البحرية تتمّ في المعاهدات بين البلدان المعنية، وهي تُستخدم بعد ذلك كقواعد قانونية لأي حكم قضائي ضروري للنزاعات".

وأشار إلى أنّه "أوّلاً، ليس لدى إسرائيل ولبنان مثل هذه المعاهدة، وليس هناك أي احتمال في المستقبل المنظور لأي نوع من المصالحة الّتي من شأنها أن تسمح لهما بمناقشة واحدة. إضافة إلى ذلك ، يبدو أن الجانبين يختلفان ليس فقط حول الزاوية الّتي ينبغي أن تمتدّ فيها الحدود الجنوبية للمنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية من الحدود على طول الساحل، بل أيضاً حول المكان الّذي تقع فيه الحدود الساحلية على وجه التحديد"، مبيّناً أنّ "من الواضح إذاً أنّ أي عملية ثنائية بحتة غير واردة. كما أنّ غياب العلاقات يطرح عقبات أمام الاستخدام التقليدي للمؤسسات الدولية".

ونوّه بارودي إلى أنّ "ثانياً، في حين أنّ لبنان قد وقّع وصدّق على الإتفاقية الدولية الأساسية بشأن ترسيم الحدود البحرية عام 1982، إلّا أنّ إسرائيل لم تفعل ذلك. وبناء على ذلك، لا توجد آلية ملزمة يمكن بموجبها لأي من الدولتين أن تحيل نزاع الحدود البحرية إليها من أجل حلّها، دون موافقة صريحة من الجانب الآخر"، لافتاً إلى أنّ "مع ذلك ، بما أنّ إسرائيل وقّعت اتفاقية منطقة اقتصادية حصرية مع قبرص، فإن لدى لبنان خيارات على هذا المستوى".

وركّز على أنّ "ثالثًاً، بينما تقوم الدول بانتظام بإحالة الخلافات حول الحدود البحرية إلى محكمة العدل الدولية، فإنّ ذلك يتمّ عادة من خلال اتفاقية خاصة بين الدول".

ورأى بارودي أنّ "من غير المحتمل أن ينظر لبنان أو إسرائيل في تقديم النزاع حول الحدود البحرية إلى محكمة العدل الدولية، خشية أن يكون هذا سابقة قانونية أو سياسية دبلوماسية"، مشدّداً على أنّ "إسرائيل لم تحتج على اختصاص محكمة العدل الدولية إلّا مرة واحدة في عام 1953، بينما كان لبنان متورطاً في قضيتين أمام محكمة العدل الدولية، كان آخرها في عام 1959"، مشيراً إلى أنّه "بما أنّ محكمة العدل الدولية أصدرت في عام 2004 قراراً إستشاريّاً بقيام إسرائيل ببناء جدارها حول ​الضفة الغربية​، من غير المحتمل أن تنظر إسرائيل في إحالة أي نزاع ، ناهيك عن نزاع واحد مع لبنان، إلى محكمة العدل الدولية".

وشرح أنّ "تحفظات لبنان فيما يتعلق بتعيين محكمة العدل الدولية أو أي طرف ثالث لحل النزاع الحدودي البحري، ذات شقين. أولاً، لديه مخاوف من أن تسعى إسرائيل إلى تشريع أي اتفاق لإحالة النزاع البحري إلى محكمة العدل الدولية أو أي محكمة دولية أخرى بعد موافقة لبنان على إخضاع جميع القضايا الحدودية لحل هذه الهيئة. ثانياً، يشعر بالقلق من أن أي اتفاق مباشر مع إسرائيل على طلب مشاركة طرف ثالث لحل النزاع يمكن اعتباره اعترافاً بحكم الواقع وبحكم القانون لدولة إسرائيل".

وأكّد بارودي أنّ "رابعاً، ولعل الأهمّ من ذلك، أنّه حتّى إذا استمعت ​المحكمة الدولية​ لقانون البحار، أو محكمة العدل الدولية، أو أي منتدى قانوني آخر، إلى النزاع اللبناني - الإسرائيلي ، فإن العملية سوف تضطر إلى استئصال قرارها (قراراتها) في هيئة القانون الّذي يتضمن بالضرورة ما يشار إليه باسم "القانون الدولي العرفي" (CIL) - الذي لا تقبله إسرائيل ولا لبنان بكامله".

ولفت إلى أنّه "لطالما كانت ​سياسة​ إسرائيل بعيدة عن الإتفاقات المتعددة الأطراف الّتي تفترض قبولها لأي قانون دولي أو عرفي أو غير ذلك، قد يعرّض الإحتلال وسياسات الإستيطان إلى تدقيق مستقل أو فرض عقوبات"، منوّهاً إلى أنّ "من الناحية العملية ، تسمح القوانين الدولية المتعارف عليها للبلدان بالبقاء خارج نطاق وصولها، ولكن فقط إذا كانت ترفض باستمرار تطبيقه ؛ لا يمكن للحكومات أن تختار القوانين الّتي يجب أن تطيعها بناء على كيفية تأثرها بحالة معينة. غير أنّ نهج ​بيروت​ مختلف، فهي يسعدها الدخول في اتفاقيات متعددة الأطراف تلزمها بالوفاء بمعايير معينة، ولكنّها تنص فقط على أن ذلك لا ينطوي على أي اعتراف بإسرائيل ولا يخضع جميع حدود لبنان إلى حكم محكمة العدل الدولية".

وأشار بارودي إلى أنّه "في حين أن هناك عناصر معيّنة تجعل النزاع اللبناني الإسرائيلي فريداً من بعض النواحي، إلّا أنّ الظروف العامة في هذه الحالة ليست غير عادية. فكلّ ولاية ساحلية على كوكب الأرض، لديها منطقة بحرية واحدة على الأقل تتداخل مع منطقة أخرى، ولا يزال العديد من هذه النزاعات دون حل"، موضحاً أنّ "في شرق البحر الأبيض المتوسط وحده، لم يوقع العديد من البلدان بعد اتفاقات ثنائية حول الحدود بين المناطق الاقتصادية الخالصة لكل منها، بما فيها قبرص وتركيا وقبرص و​سوريا​ و​اليونان​ وتركيا وإسرائيل و​فلسطين​. وعلاوة على ذلك ، فإنّ العديد من المعاهدات البحرية الثنائية الّتي تمّ التوصل إليها تعارضها البلدان المجاورة ذات المناطق المتداخلة؛ كما هو الحال مع معارضة لبنان للاتفاق الإسرائيلي – القبرصي".

وبيّن أنّ "عتبة الصراع بين لبنان وإسرائيل أقل من تلك بين الجيران الآخرين: التهديدات وحتّى الاستخدام الفعلي للقوة هي سمات معتادة في السياسة الخارجية الإسرائيلية. الحرب هي عمل مكلف بطبيعتها، وأي صراع مستقبلي سيستخلص تكلفة باهظة - بشرية، مالية، سمعة، وما إلى ذلك.

وشدّد بارودي على أنّ "الشيء المهم بالنسبة للبنان هو الإستمرار في إظهار حسن النية وإظهار الالتزام بالتزاماته في دعم السلام و​الأمن​ كدولة موقّعة على ميثاق الأمم المتحدة، وقد ترق إلى مستوى هذه المسؤولية حتى الآن. وبينما تبقى ثابتة في رفضها الإعتراف حتّى بإسرائيل كدولة، انخرطت بيروت مع مبعوثين أميركيين متتاليين استخدموا شكلاً من الدبلوماسية للتوسط في النزاع. كما وجهت نداءات متكررة إلى الأمم المتحدة للمساعدة في تسوية المسألة".

وأفاد بأنّ "بغض النظر عما يحدث في المستقبل، من الضروري أن يحتفظ لبنان بهذا الموقف التعاوني لأنّه لا يحمي حقوقه القانونية فحسب، بل يساعد أيضاً على احتواء التوترات الّتي قد تتسبّب في تصرّف إسرائيل من جانب واحد".

ورأى بارودي أنّ "اللبناني العادي يحتاج أن يفهم أنّ الدبلوماسية غالباً ما تتطلّب العطاء والتأثير، وأنّه عندما يتعلّق الأمر بالطاقة على وجه الخصوص"، مركّزاً على أنّ "قوة موقف لبنان تعود إلى اتفاقية "بوليت-نيوكومب" عام 1923، الّتي وضعت الحدود بين ما كان يعرف آنذاك بالإنتداب الفرنسي وفلسطين الانتداب البريطاني، واتفاق الهدنة لعام 1949 الّذي أنهى الأعمال العدائية في حرب عام 1948".

وأكّد أنّ "هناك عوامل أخرى تبشّر بالخير بالنسبة إلى الآفاق القانونية اللبنانية القصيرة والطويلة المدى، بما في ذلك حقيقة أنّ الجزء من "البلوك 9" الّذي تهتمّ به "​توتال​" و"آني" و"نوفاتيك" يكمن بوضوح في المياه اللبنانية. وهذا يترك مجالاً واسعاً لحلّ وسط وقصير الأجل على الأقل يسمح بالإستكشاف في المناطق غير الخاضعة للنزاع مع ترك أسئلة أكثر صعوبة في وقت لاحق"، لافتاً إلى أنّ "نوعية المعلومات الّتي قدّمها لبنان للأمم المتحدة والأطراف الأخرى المهتمّة تعطي أهمية كبيرة لموقفها، وبأكثر من طريقة. فقد استخدم الجانب اللبناني الرسوم البيانية للهندسة ​البحرية البريطانية​ الأصلية كنقطة انطلاق للحدود الجنوبية لمنطقتها الإقتصادية الخالصة، ممّا يضفي مصداقية أكبر على معارضتها".

وشدّد بارودي على أنّ "باختصار، يحتاج اللبنانيون العاديون إلى معرفة أنّ التوصل إلى اتفاق تفاوضي جيّد من خلال وساطة أو تحكيم طرف ثالث قد يعني تحقيق نصر أكبر بكثير للبنان بدلاً من إسرائيل".

ترجمة النشرة