خَمدت أصوات المحرّكات والضجيج السياسي على أكثر من جبهة، في انتظار بلوَرةِ مسوّدةٍ أوّلية للحكومة العتيدة. فعلى خط النزاع «القواتي»ـ «العوني» قلبَ الوزير ​جبران باسيل​ الصفحة من زحلة، بعدما اقتنَع بأنّ مردود التعبئة ضدّ «القوات» أكثرُ كلفةً مِن الصمت، فقرّر الدخول في هدنة، وربّما يحصل لقاءٌ قريب بينه وبين احد وزراء «القوات».

على خط التوزير الدرزي هدأ الضجيج وسط تسليمٍ شبهِ جماعي بأنّ الحصة الدرزية كاملةً ستكون من نصيب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ​وليد جنبلاط​، فيما لم يختلف ايضاً موضوع التمثيل السنّي عن إشكاليتَي التمثيل المسيحي والدرزي، والخلاصة أنّ الجميع يعيشون هدنةً ظرفية، قبل ظهور أوّلِ مسوّدة حكومية.

يتعاطى الرئيس ​سعد الحريري​ مع تأليف حكومته وفق قاعدة تذليل العقَد وفتحِ المجال لأوسع تمثيل، ومع ذلك ليس متوقّعاً ولادة التشكيلة الوزارية قريباً، خصوصاً أنّ حجم العقد كبيرٌ ويستلزم تقديم الأضاحي في الحصص، لا سيّما من قبَل رئيس الجمهورية ورئيس ​الحكومة​ المكلّف.

في الحصّة السنّية وضَع «حزب الله» حلفاءَه السنّة في المعبر الإجباري لولادة الحكومة، وهذا المعبر سيفرض إعطاء مقعد وزاري مع حقيبة خدماتية لأحد هؤلاء، واللائحة تبدأ بالنائب ​عبد الرحيم مراد​ ولا تنتهي بالنواب أسامة سعد وفيصل كرامي وجهاد الصمد، وربّما تصل الى توزير ممثل للرئيس ​نجيب ميقاتي​.

أمّا في الحصة المسيحية، فإنّ مهادنة باسيل «القوات اللبنانية» تشير الى انّ حصر المعركة العونية بالإصرار على عدم تخطّي حصة «القوات» في الحكومة الثلاثة وزراء، لم يعد مطروحاً، وأن البحث الجدي يتركّز على طبيعة الحقائب التي ستُسند الى «القوات» التي ستنال اربعة مقاعد وزارية، والتي ستتمسّك بموقع نائب رئيس ​مجلس الوزراء​، وبحقيبة سيادية، مع إمكان إبداء المرونة حول الاختيار بين المطلبين، تماماً كما حصَل في تشكيل الحكومة الحالية التي تنازَلت فيها «القوات» عن حقيبة سيادية، لتنال نيابة رئاسة الحكومة، واليوم ستتمسّك بأربع وزارات وبحقائب اساسية، واستراتيجيتها المشاركة في الحكومة من دون الاضطرار الى دفعِ ثمنٍ كبير، علماً انّ هدنة باسيل الظرفية التي اعلنَها من زحلة، لا تعني أنه تخلّى عن مسعاه لإخراج «القوات» من الحكومة، فهذا المسعى ما زال قائماً، لكن تقف في طريقه مجموعة عوامل، أهمُّها رغبة الحريري في دخول «القوات» الى الحكومة لاستعادة توازنِ الحد الادنى، ولأنّ مشاركتها في الحكومة بحصّةٍ وازنة مغطاة برغبةٍ سعودية، هي على الأرجح الأوضح في ما تبَقّى ممّا تطلبه ​السعودية​ من الحريري الذي لن يقبل بأن تولد الحكومة في ظلّ وجود ايّ تحفّظٍ سعودي.

ويبقى التركيز الأهم في التركيبة الحكومية على رصدِ الأثلاث المعطِّلة التي ستنتج عن أيّ تركيبة وزارية، فرئيس الجمهورية ​ميشال عون​ و»التيارالوطني الحر» يسعيان لنيلِ ثلثٍ معطّل صافٍ، وهذا هو سبب الإصرار على حصتين؛ واحدة للتيار وأُخرى للرئيس، لكن الأبرز في ما يتعلّق بالثلث المعطل يرتبط بحصة كلّ من تيار «المستقبل» و»القوات اللبنانية»، وما إذا كان مجموع الحصتين سيقفز فوق العشرة وزراء في الحكومة الثلاثينية، وهذا ما ترصده جهات عربية ودولية.

في كلّ الحالات وفي انتظار ظهور المسوّدة الاولى للحكومة العتيدة، لا تزال المشاورات الثنائية تدور بين الاطراف التي ستشارك في حكومة العهد الثانية التي يُراد لها أن تكون الاولى. هذه الحكومة لا يفترض أن تستهلك كثيراً من الوقت قبل ان تولد، في اعتبار أنّ الاطراف المشاركين فيها باتوا معروفين، وأنّ الخلافات على بعض الأحجام هي التي تؤخّر ولادتها، فيما بات معروفاً منذ الآن هويّة هذه الحكومة ومهمّاتها.