في الشكل جاءت أكثر من بارزة دعوة رئيس ​بلدية عرسال​ ​باسل الحجيري​ ​النازحين السوريين​ الى التجاوب مع المبادرة التي أطلقها ​حزب الله​ لتسهيل عودتهم الى بلادهم، أما في المضمون، ولمن يتابع كواليس ما يحصل منذ مدة في عرسال، عاصمة النزوح السوري في ​لبنان​، لم يحمل موقف الحجيري بين سطوره أيّ مفاجأة تذكر. وفي المعلومات، هذا التوجه المؤيد لعودة النازحين والذي عبّر عنه الحجيري صراحة، كان قد بدأ التحضير له داخل البلدة الحدودية منذ ما قبل الإنتخابات النيابيّة، وكان القرار في حينها بتأجيل الإعلان عنه الى ما بعد الإنتخابات كي لا يُتّهم هذا الفريق أو ذاك بإستغلال ملف النزوح الإنساني لكسب الأصوات. ما حصل بعد الإنتخابات على هذا الصعيد، هو التحرك المحلّي والدولي الذي قامت به وزارة الخارجية لتسويق عودة النازحين الى المناطق الآمنة في سوريا، وما تلاه من مواقف لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ في هذا الإتجاه ومن بعده حزب الله، الأمر الذي تلقفّته الفعاليات العرساليّة وعلى رأسها رئيس البلدية، وتفاعلت معه إيجاباً كونها الأكثر تضرراً من هذه الأزمة.

تحرّك فعاليات عرسال الهادف الى إعادة النازحين الى قراهم وبلداتهم السورية التي أصبحت بمعظمها آمنة، كان يتضمّن على جدول أعماله جولة على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​، يليها مؤتمر صحافي تعقده المجموعة داخل عرسال، وفيه تشرح للرأي العام مدى الضرر الإجتماعي والإقتصادي الذي لحق بالبلدة، من جرّاء إستضافتها العدد الكبير للنازحين السوريين، وكيف إنعكس هذا الضرر على أهالي البلدة الحدودية، لكن مواقف عون وبري والحريري الداعمة لعودة النازحين جعلت الجولة لزوم ما لا يلزم في هذه المرحلة.

تدرك فعاليات عرسال أن عدداً من أهالي بلدتهم يعارض العودة ويعمل ضدّها، لكن هذا العدد وبحسب مصادر المجموعة لا يشكّل إلا قلّة قليلة من الأهالي، وهي قلّة مستفيدة، وتقول مصادر عرسالية، " إذا كان البعض داخل عرسال مستفيداً من ملف النزوح، إما بتأجير أرضه للمخيّمات، وإما بالعمل مع الأمم المتحدة والإستفادة مادياً لذلك لا يحرك ساكناً حيال ملف النازحين، فنحن سنكشف وبالأرقام إن هذا البعض المستفيد لا يشكل سوى الأقليّة من أهالي البلدة التي يبلغ عددهم حوالى 40000 نسمة بينما تدفع الأكثرية الساحقة منهم ثمن إستضافة بين 70000 و80000 نازح".

تعلق هذه المجموعة العرسالية آمالاً كثيرة على صرختها وتحركها، وتعرف تماماً أنه إذا كانت هناك إستحالة بإفراغ عرسال من جميع النازحين المقيمين فيها دفعة واحدة، فعلى الأقل يجب العمل على تخفيض العدد، بنسبة تقارب الخمسين في المئة وذلك عبر تأمين نقلهم الى الداخل السوري بالتنسيق مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي والسلطات السوريّة، وفي هذا السياق، يؤكد مصدر في المجموعة العرسالية المعترضة أنه "وبمجرد توقّف الأمم المتحدة عن دعمها لهؤلاء النازحين سيغادر معظمهم اذا لم يكن جميعهم لا سيّما أنّ من بينهم من يعيش على هذه المساعدات ويستفيد منها لدرجة أنه بات يتاجر بها ويبيعها الى نازحين آخرين".

إذاً، قالت عرسال كلمتها الرافضة لإستمرار بقاء النازحين على أراضيها، والرهان كل الرهان هذه المرة على عدم تنطح أي فريق سياسي أو طائفي دفاعاً عن بقاء النازحين تحت شعارات إنسانية أو سياسية داعمة لما يسمى بـ"قوى المعارضة السورية"، فالمعطيات تبدلت كثيراً في المنطقة، والرهانات السابقة على هذا الصعيد، أثبتت فشلها وعدم صوابيتها.