لم يكن يتوقع على الأرجح ​حزب الله​ تبني "​التيار الوطني الحر​" رؤيته لحل أزمة ​النازحين السوريين​ من خلال تشكيل لجان حزبية، تتولى المهمة في ظل تقصير الدولة الناتج عن غياب تفاهم سياسي حول الملف ككل. فبعد أن انطلق الحزب في هذه الأمر قبل أسبوعين، أعلن رئيس "الوطني الحر" وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ عن تشكيل لجنة حزبية تبدو مهامها الى حد بعيد شبيهة بمهام لجنة حزب الله، لجهة التواصل مع النازحين السوريين ومحاولة تسوية أوضاعهم مع النظام السوري تمهيدا لتحقيق عودتهم الى بلادهم.

وتشير المعطيات المتوافرة ان الحليفين الاصفر والبرتقالي لم ينسّقا مع بعضهما البعض لتحقيق التكامل، بل قررا ان يعملا بالتوازي من دون ممانعة أي تعاون في حال ثبت أنه مفيد لزيادة عدد العائدين وتسريع وتيرة العودة. وينكب حزب الله حاليا، بحسب مصادر مقربة منه، على معالجة مشكلتين أساسيتين تعترضان مساره في هذا الملف، بحيث تبيّن له مع انطلاق اللجان المحلية عملها فعليا على الارض ان سببين أساسيين يجعلان النازحين يرفضون العودة او لا يحبذونها. السبب الاول مرتبط بالتجنيد الاجباري الذي يجعل عائلات بأكملها تفضل البقاء في ​لبنان​ ولو بظروف صعبة للغاية، على العودة لانضمام أبنائها الى المعارك التي يخوضها ​الجيش السوري​ الذي يعاني من نقص في العديد، ما يجعله متمسكا بضم المزيد من العناصر اليه. ويعمل حزب الله مباشرة مع النظام السوري على ايجاد مخرج ملائم لهذه المشكلة التي وفي حال حلّها، سيتقاطر الآلاف الى مدنهم وقراهم خلال أسابيع.

أما السبب الثاني الذي يؤخر العودة، فيبدو حله أصعب من الأول، ويرتبط بالمساعدات المالية والعينيّة التي تقدمها الأمم المتحدة للنازحين والتي ترفض أن تعطيها لهم في حال انتقلوا الى الجهة السورية، ما يجعل مئات الآلاف يفضلون العيش في لبنان ولو في خيم ويقبضون حوالي 200 دولار أميركي شهريا على العودة الى بلادهم بغياب أي ضمانات، خاصة وأن هذا المبلغ يتقاضاه مسؤولون كبار في الحكومة السورية. وفي هذا المجال تقول المصادر: "سيكون من الصعب جدا أن يتمكن حزب الله من تحقيق خرق يُذكر في هذا المجال، والمطلوب ان تتولّى جهات رسمية لبنانية عملية الضغط على المفوضيّة لوقف هذه المساعدات للسوريين المتواجدين في لبنان واعطائهم اياها ولو لفترة محدّدة بعد انتقالهم الى ​سوريا​ لتسوية وترتيب أوضاعهم، اما تمسك المفوضية برفضها هذا الاقتراح، فيعني تواطؤ دولي على اللبنانيين والسوريين معا، ومؤشر لإمكانية ان تشمل صفقة القرن كل اللاجئين دون استثناء سواء السوريين او الفلسطينيين او العراقيين، فيتم التفاهم على ابقائهم في الدول التي يتواجدون فيها، وهذا ما نتخوف منه بالتحديد"، لافتة الى ان هذه المخاوف هي التي دفعت الحزب والتيار لتسريع خطواتهما في هذا المجال لاعادة من يمكن اعادتهم قبل ان يتم توقيع تسوية تكون أولا على حساب لبنان واللبنانيين".

وتشير المصادر الى أنه "وبعكس ما يتم الترويج له، فان النازحين السوريين يتجاوبون تماما مع عروض حزب الله للعودة، سواء المؤيدين او المعارضين للنظام، باعتبار انهم يرون فيه ضمانة، وهو ما بدا جليا حين كان المسلحون الذين تم ترحيلهم من لبنان يطلبون ان يتولى الحزب حمايتهم حتى وصولهم الى المناطق المنصوص عليها في الاتفاق".

بالمحصلة، يكشف ملف النازحين عن هشاشة الدولة والنظام السياسي القائم والذي يُثبت مرة جديدة أنه عاجز عن التعامل مع الملفّات ذات الطابع الوجودي، ما يستدعي ان تنطلق اي عملية اصلاحية حقيقية باعادة النظر بالنظام ككل.