لم يبدُ رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ منذ مدة هادئا ومرتاحا كما بدا في اطلالته التلفزيونية الأخيرة. فمن انتظر منه "بق البحص" أو اطلاق صفارة المعركة والمواجهة مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ و"​التيار الوطني الحر​" خاب ظنه تماما، بعدما قرّر مهادنة الجميع دون استثناء، رافضا تحميل مسؤولية تأخير التشكيل لأي من الفرقاء، وان كان حصر الموضوع في الملعب المسيحي.

لعلّ البعض انتظر من الحريري أن يكون مرتبكا أو مستاء ما يدفعه الى "تسمية الأمور بأسمائها"، لكنه وكما كان واضحا أعد لاطلالته جيدا، فضخ منسوبا كبيرا من التفاؤل بقرب التشكيل، لم يتأخر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ بوصفه بطريقة غير مباشرة بـ"التفاؤل المفتعل"، وهي استراتيجية لا يعتمدها رئيس الحكومة المكلف للمرة الأولى باعتبار أنه قد سبق وفعلها مرتين منذ تكليفه بتشكيل الحكومة قبل أكثر من 4 اشهر، ولكنها اثبتت فشلها.

مهادنة الحريري ومحاولته اشاعة أجواء اعتبرتها مصادر مقربة من ​حزب الله​ غير موجودة حكوميا، جعلت باسيل يحاول في مؤتمره الصحافي قدر الامكان استيعاب الوضع من خلال تشريح الواقع، بحسب وجهة نظر القيادة العونية، وهو ما كان كفيلا بالتأكيد على أن الأمور لا تزال تراوح مكانها. وفي هذا الاطار قالت المصادر: "كل المواقف التي عبّر عنها الحريري اتخذت طابع التمنّي وبدا واضحا أنها غير مرفقة بأي طروحات عمليّة، وان كان رئيس الحكومة المكلّف اعتبر أن عدم كشف اوراقه هي لحمايتها".

وتساءلت المصادر: "اذا كانت ​القوات اللبنانية​ قد استبقت اطلالة الحريري كما مؤتمر باسيل بالاعلان عن رفضها للحصّة التي تم تداولها والتي تقول بحصولها على نيابة رئاسة الحكومة ووزارات الثقافة والتربية والشؤون الاجتماعية، فكيف نتحدث عن ايجابية؟ خاصة وأن أمر تنازل الرئيس عون عن موقع نيابة رئاسة الحكومة أمر غير محسوم بعد". وأشارت المصادر الى انه وخلال لقاء عون–الحريري الأخير، قال رئيس الجمهورية أن "تنازله عن هذا الموقع مرتبط بالحل النهائي والأخير، من منطلق أنه اذا كانن هذه هي العقدة الأخيرة التي تؤخر التشكيل، فهو مستعد لمراعاة الوضع".

وتعتبر "القوات اللبنانية" أن حقائب التربية والشؤون والثقافة لا تلبّي طموحاتها، وتصر على الحصول على حقائب دسمة كالأشغال العامة أو الطاقة أو العدل، ما يجعل، بحسب المصادر، "جرعة التفاؤل الزائدة التي أشار اليها الحريري، في غير مكانها، وان كان احتمال التعويل على خروقات قد تحصل في الايام الـ10 المقبلة يتأرجح، من دون الحسم ما اذا كانت ستؤدي لحل الأزمة أو تفاقمها".

مهادنة الحريري لم تقتصر على الملف الحكومي، بل طالت وبشكل أساسي علاقته مع حزب الله. اذ بدا متمسكا أكثر من أي وقت مضى بـ"الهدنة" المستمرة معه، حتى أنه ذهب أبعد منها، من خلال اعلانه أن "سلاح حزب الله سلاح إقليمي وله علاقة بتسوية إقليمية"، وهو موقف ينسجم مع موقف رئيس الجمهورية في هذا المجال، وهو ما اعتبرته المصادر المقربة من الحزب "خطوة نوعية تؤكد أن الحريري نفض يده من كل ما كان يسمى فريق ​14 آذار​ والتحق برؤية الرئيس عون لهذا الملف".

وبانتظار ما ستحمله الساعات المقبلة بملف تشكيل الحكومة، وما اذا كانت تمنيات الحريري ستقترن بحلول عمليّة للأزمة، يبقى الاعتماد على نوع من الضوء الأخضر الخارجي الذي تم التماسه مؤخرا سواء في ​بيروت​ أو في ​بغداد​، علّه يشكل عاملا مساعدا في وضع حدّ لعملية الولادة العسيرة والمستمرة للحكومة منذ أكثر من 4 أشهر.