لم يكن الانشغال السعودي بتداعيات مقتل الصحافي ​جمال خاشقجي​، هو وحده السبب في اندفاعة تأليف الحكومة ال​لبنان​ية، رغم ان ​المملكة العربية السعودية​ لم تعد هي ذاتها بعد قتل خاشقجي. ردود الفعل الدولية، وخصوصاً الأميركية، توحي بأن رغبة "المؤسسة العميقة" في واشنطن هي نسف النفوذ السعودي، وقطع الأذرع التابعة للمملكة في كل مكان. ليس السبب شخص خاشقجي، رغم علاقته مع المؤسسة الأميركيّة، بل انه يذكّرنا بحادثة مقتل ولي عهد النمسا عام 1914، التي كانت الحجّة، والسبب المباشر لإندلاع الحرب العالميّة الأولى، فيما كانت الأسباب متراكمة، والقرار متّخذ لوجود اسباب بالجملة.

يردّد سياسيّون اميركيّون في جلساتهم أن الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​، لم يعد بوسعه فرض تحالفه مع وليّ عهد السعوديّة محمد بن سلمان، لأنّ الفضيحة التي حصلت في القنصليّة، أثارت الرأي العام الدولي، وليس بمقدور ترامب ان يوقف الهجوم الشعبي الأميركي على كل من يتحالف مع محمد بن سلمان. هو حاول، لكنه لم يستطع استيعاب الازمة.

تعزّز التغطية الاعلاميّة الاميركيّة لموضوع خاشقجي، وتبنّي القضيّة من قبل الاميركيين، وجود رغبة عند "المؤسسة العميقة"، بالاطاحة بوليّ العهد السعودي وحلفائه. المطلوب بالنسبة الى تلك المؤسسة: وقف حرب اليمن، تغييرات في البنية الاجتماعيّة السعوديّة. الحدّ من تمدّد النفوذ السعودي.

لكن هل تقف رغبات المؤسسة العميقة عند هذا الحدّ؟ أم تمتدّ الشروط لتطال ابوظبي بالحدّ من نفوذ محمد بن زايد، وصهر ترامب جاريد كوشنير؟.

يبدو ان الثلاثة بالنسبة الى المؤسسة الأميركية مربوطون حكماً مع بعضهم، وهم في عين الاستهداف المؤسساتي الأميركي، الذي سيجبر ترامب على الاستماع لوصايا المؤسساتيين.

رغم كل ذلك، لن تسمح ​الولايات المتحدة​ ان تترك الفراغ الناشئ عن انشغال السعوديّة، ليملأه أحد سواها. قد يكون رفع السقف القوّاتي في لبنان ازاء تأليف الحكومة، ليس بريئاً في ذروة الانشغال السعودي عنه، بل بفعل وجود سند اميركي حقيقي الى جانب معراب، لا يسمح بإستفرادها. فهل هو السبب في رفع "القوات" مطالبها، تحت طائلة عدم المشاركة في الحكومة؟

هناك رغبة قواتيّة بعدم الخروج من الحكومة، لأنّ المعارضة في لبنان، لا تثمر، بدليل وضعيّة رئيس حزب الكتائب النائب ​سامي الجميل​، في السياسة اللبنانيّة اليوم. بالكاد استطاع تأليف كتلة نيابيّة متواضعة جدا أفرزتها صناديق الاقتراع. لو كانت المعارضة في لبنان تؤدي الى ربح سياسي كبير، لإنتهجت معظم القوى سبيل المعارضة، ولكان الجميّل رئيس أكبر كتلة كتائبيّة.

ما يعني ان القوّات التي هدّدت بالخروج من الحكومة، في حال عدم مراعاة متطلباتها، وتحديدا حقيبة العدل، لا تريد الخروج عمليّا، وهي التي تستند الى دعم خارجي ضمني، يمنع رئيس الحكومة المكلف َمن المضيّ بالتأليف وترؤس حكومة من دونها. لكن الانتظار وعدم التأليف لن يكون في صالح الحريري او جعجع، انطلاقا من توسّع الرغبة الغربيّة بمعاقبة الرياض، وكفّ يدها. بينما الأميركيون مشغولون بدوزنة الادوار، وتصفية الحسابات فيما بينهم، وقد يقود الامر الى كفّ يد صهر ترامب نهائيًّا، وفصل التحالف بين ولي العهد السعودي، وولي عهد ابو ظبي، لنسف المشاريع السياسيّة التي تمّ التخطيط لها.

كل ذلك تترقّبه ​تركيا​ للانقضاض على سحب النفوذ السعودي في المنطقة، لضمّه الى انقره. اما النفوذ في لبنان، فتبقيه واشنطن قائما لديها، وهي تطمئن حلفاءها بانها لن تتركهم.