منذ اليوم الذي كُلّف فيه ​سعد الحريري​ ​تشكيل الحكومة​، شهدت مفاوضات التأليف طلعات ونزلات سياسية عدة. تارةً كان التشاؤم يخيّم على حركة الإتصالات بسبب العقد التي تبرز من هنا وهناك، وتارةً أخرى كان منسوب التفاؤل يرتفع بعض الشيء بعد التوصل الى حل للكباش القائم على هذه الحقيبة أو تلك، ولكن في كل المراحل السابقة، لم تشهد مفاوضات التأليف ما تشهده اليوم من تقدم فرملته عقدة ظاهرها مقعد للنوّاب السنّة المعارضين للحريري، وباطنها حسابات مرتبطة مباشرة بمرحلة ما بعد الولادة الحكوميّة وصدور مراسيم التأليف، وتحديداً بما يعرف على الطاولة الحكومية بفيتو الثلث المعطل. وفي هذا السياق، يرى مصدر مواكب لعملية التشكيل أن العقدة الحقيقية اليوم تهدف الى منع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ من الحصول وفريقه السياسي أي تكتل لبنان القوي على الثلث المعطل داخل الحكومة. وفي شرح مفصل، يجعل الدستور اللبناني من رئيس الحكومة ثلثاً معطلّاً بحدّ ذاته، إذ يمنع حضوره الجلسات إنعقادها مهما كانت الأسباب، ما يعني أن المكوّن السني، لا يخشى ولو للحظة من مسألة الثلث المعطل الذي يملك سلاحه بشكل مستمر، ويمكنه إستعماله ساعة يشاء. في الحكومة المقبلة، سيملك المكون الشيعي الثلث المعطّل أيضاً كيف؟ بمجرد حصول ​حزب الله​ و​حركة أمل​ على الوزراء الشيعة الستّة في الحكومة، أي على كامل الحصة المخصّصة للطائفة الشيعيّة، ما يعني أن بإمكان الثنائي الشيعي أن يعطل أي جلسة بمجرد غياب وزرائه الستة عنها الأمر الذي يفقد هذه الجلسة ميثاقيتها. يبقى المكون المسيحي من دون ثلث معطّل، لأنّ رئيس الجمهورية لا يمكنه بحسب الدستور أن يمنع إنعقاد جلسة وبغيابه يمكن عقد جلسة للحكومة في السراي الحكومي وبرئاسة رئيس الحكومة. في عملية توزيع الوزراء، حصل رئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي مجتمعين على ١٠ مقاعد وزارية، وعندما حُلّت العقدة الدرزيّة بمسعى من الرئيس عون بين النائب السابق ​وليد جنبلاط​ والمير ​طلال أرسلان​، تم الإتفاق بأن يختار الرئيس عون الوزير الدرزي الثالث من لائحتي الأسماء المقدمتين من جنبلاط وأرسلان، وقد علم فيما بعد بأن خيار بعبدا سيقع على إسم من لائحة أرسلان الأمر الذي فسّره البعض بأن رئيس الجمهورية، ومع إختياره هذا الوزير، سيرفع عدد وزراء فريقه مع تكتّل لبنان القوي الى ١١ وزيراً أي الى الثلث المعطل.

إنطلاقاً ممّا تقدم تعتبر مصادر متابعة لعملية التأليف أن عقدة التمثيل السنّي التي أعيدت الى الواجهة بعد حل العقدتين الدرزيّة والمسيحيّة وبعد إعلان القوات اللبنانيّة دخولها الحكومة وقبولها عرض الحريري، من شأنها رمي كرة الحل في ملعب رئيس الجمهوريّة والضغط عليه للتخلي عن مقعد وزاري لصالح سنّة الثامن من آذار الأمر الذي يقطع الطريق أمام حصوله وفريقه السياسي على الثلث المعطل في الحكومة.

هل هذا هو السبب الحقيقي للعرقلة؟ سؤال ستثبته الأيام المقبلة، وتحديداً زيارة وفد حزب الله الى القصر الجمهوري التي لم يحدد موعدها بعد.