إستضافت أستانة، عاصمة ​كازخستان​، خلال الساعات الماضية، الجولة رقم 11 من مُحادثات السلام بشأن الملفّ السُوري(1)، والتي تركّزت على ضرورة تثبيت ​الهدنة​ في إدلب، وعلى سُبل تحضير الأجواء لإعادة ​اللاجئين​ والنازحين السُوريّين، ولإطلاق ورشة إعادة إعمار بشكل جدّي وواسع، والبدء بصياغة دُستور جديد، إلخ. من دون تحقيق أي نتائج تُذكر. والمُفارقة أنّه على الرغم من إنتهاء الحرب العسكريّة بخُطوطها الكُبرى في ​سوريا​، فإنّ مجموعات من مُقاتلي "​حزب الله​" لا تزال مُرابطة هناك، على الرغم من عودة قسم منهم قُدّر بنحو 4000 إلى ​لبنان​ في الأشهر القليلة الماضية. فما هي الأسباب التي تدفع "الحزب" إلى إبقاء قسم من مُقاتليه في سوريا؟.

أوّلاً: توفير الدعم العملي للجيش السُوري في بعض المناطق الحسّاسة، علمًا أنّ هذا الدور على أهمّيته يبقى مَحدودًا إزاء الدور المَعنوي الكبير الذي يلعبه هؤلاء المُقاتلون على مُستوى حماية النظام السُوري، حيث أنّهم يُشكّلون مع باقي الفصائل المُسلّحة غير النظامية والمُتعدّدة الجنسيّات التي كان قد تمّ إستقدامها إلى سوريا في السنوات القليلة الماضية لدعم الجيش السُوري، شبكة أمان معنويّة للنظام السُوري، تؤكّد للمُعارضة السُورية ومن يقف خلفها أنّه ليس متروكًا، وتدفع من يُفكّر بأي تحرّك إنقلابي من داخل الجيش السُوري إلى التفكير مرّتين.

ثانيًا: الإستفادة من ورقة مُهمّة على طاولة المُفاوضات بيد محور "المُقاومة والمُمانعة" لن يتم تسليمها بشكل مجاني لا اليوم ولا غدًا، حيث أنّ هذه الورقة هي مُحور إهتمام أميركي-غربي دائم، وثمنها لن يكون زهيدًا عندما يحين الوقت. فالمُطالبات الأميركيّة والغربيّة بضرورة سحب كل المُقاتلين غير السُوريّين من سوريا، تُقابل باللامبالاة في المرحلة الحالية من جانب "الحزب" والمحور الداعم له، في إنتظار ما ستفضي إليه التسويات النهائية للملفّ السُوري.

ثالثًا: تأمين مكان مُمتاز لتدريب مُقاتلي "الحزب" ضُمن أجواء قتاليّة حقيقيّة وظروف خطر واقعيّة، حيث تستمرّ المُناوشات وبعض الإشتباكات والعمليّات الأمنيّة المُتفرّقة في سوريا بعيدًا عن التغطية الإعلاميّة. وهذا الأمر وفّر على "الحزب" عناء سفر المُقاتلين إلى ​إيران​ لإجراء دورات تدريبيّة عسكريّة، علمًا أنّ الطبيعة الجغرافية في سوريا وظروف مُشاركة "حزب الله" في القتال هناك على مدى سنوات، سمحت بإقامة بنية لوجستيّة كاملة للحزب في سوريا، من بينها مجموعة من مراكز التدريب العسكري.

رابعًا: الحفاظ على أجواء قتاليّة مُناسبة للحشد الشعبي، ولجذب ​الشباب​ إلى صُفوف "حزب الله"، خاصة أنّه لا تُوجد أي أعمال قتاليّة ضُدّ إسرائيل منذ العام 2006 حتى اليوم، في حين تُشكّل سوريا مكانًا مُناسبًا للإبقاء على الظُهور العسكري الذي يُعتبر من العوامل المُهمّة في عمليّات الإستمالة الحزبيّة، لما تحمله من بريق ووهج بُطولي في صُفوف المراهقين، إلى جانب طبعًا عمليّات التوجيه الديني والمذهبي والعقائدي، إلخ. وحتى المنفعة المادية المُباشرة والخدمات والمُساعدات الإجتماعيّة التي ينالها المُنتسبون المُتفرّغون في صُفوف "الحزب".

خامسًا: تدريب وحدات سُوريّة غير نظاميّة على أساليب "حرب العصابات" وعلى عمليّات بناء الأنفاق وتخزين الأسلحة تحت الأرض وتحضير البنية التحتيّة لأي عمليّات قتالية في ​الجولان​ السُوري المُحتل في المُستقبل. وهي مهمّة أساسيّة لمجموعة من الخُبراء الإيرانيّين، ولمجموعات من النخبة من "حزب الله"، وذلك ضُمن خطة إستراتيجيّة مُتكاملة تقضي بزيادة جبهات القتال ضُدّ ​الجيش الإسرائيلي​ إلى أقصى قدر مُمكن، ليكون مُضطرًا إلى التعامل مع أكثر من جبهة قتال داخليّة وعلى الحدود، في حال إندلاع أي حرب شاملة في يوم من الأيام، الأمر الذي من شأنه تشتيت قوّاته وإضعاف قُدراته بشكل حتمي.

في الخلاصة، إنّ مضامين ونتائج المُفاوضات التي تجري بشأن الملفّ السُوري بين الحين والآخر، تؤكّد أنّ مسألة إنسحاب "حزب الله" الكامل من سوريا وعودته إلى لبنان، هي خارج التفاوض. والضُغوط الغربيّة في هذا المجال، ما هي سوى مُحاولات لتحضير أوراق التفاوض التي سيتمّ تبادلها عندما يحين وقت التسوية النهائيّة للحرب السُوريّة، وخلال إعادة رسم خرائط وتوازنات منطقة ​الشرق الأوسط​ ككل.

(1) تذكير أنّ هذه المُحادثات التي كانت قد إنطلقت مطلع العام 2017 الماضي، تتمّ بحُضور مُمثّلين عن كل من ​روسيا​ و​تركيا​ وإيران، إضافة إلى وفدي ​النظام السوري​ ومُعارضيه، وبإشراف من جانب ​الأمم المتحدة​ و​الصليب الأحمر​، إلخ.