لا حديث في البلد سوى حديث "الهدر والفساد والتوظيف"، وكأن هذه الثلاثية هي التي تحكم وتتحكَّم بالبلد: كان لا بد من الوصول إلى هنا لأن رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ مصرٌّ، وفي إصرار لا عودة عنه، إلى الوصول إلى نتيجة في هذا المجال، لأنه إذا لم يفعل، يكون عهده كله على المحك.

***

في كل يومٍ تتكشف فضيحة جديدة سواء في الهدر الحاصل على مستوى معظم إدارات الدولة، أو في الفساد المستشري أو في التوظيف العشوائي، وما العمل؟

آخر "المآثر" ما تمَّ كشفه في ​مجلس النواب​ من أن هناك 15 ألف موظف تم إدخالهم من دون أي "توصيف وظيفي" أي ما يعني من دون تحديد ما هي الحاجة إلى توظيفهم، نسمع الكلام يعجبنا بينما يظل التطبيق كلامًا بكلام.

يحدث كل ذلك في وقت تئن بعض الإدارات من نقص هائل وفاضح في عناصرها البشرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنه يُسجَّل نقصٌ هائل في الكوادر البشرية في الضمان الإجتماعي.

وهنا نسأل نيابة وتقديراً للدور الكبير والفعّال للدكتور ​محمد كركي​ الذي يعمل ليلاً نهاراً بصمت مع فريق عمله متحملاً على كتفيه أعباء كل الشواغر.

وهل يُعقَل ان يجري توظيف الآلاف في اكثر من إدارة وفي أكثر من قطاع فيما الشغور في الضمان يكاد ان يشلّه عن العمل؟

الضمان يؤمن التغطية الصحيّة لأكثر من مليون ونصف مليون لبناني.

كيف يستطيع تأمين الخدمة لهذا العدد الكبير من المواطنين فيما الشغور يطال نصف عدد الموظفين: فعدد العاملين في الضمان لا يتجاوز 1100 شخص في كل المراكز

والفروع والمناطق، في حين أن الكادر الوظيفي يفترض أن يكون أكثر من 2050 موظفاً. وهذا ما ينعكس سلبًا على أداء الصندوق وقدرته على تلبية طلبات المضمونين في فروعه كافة أي المرض والأمومة والتقديمات العائلية وتعويضات نهاية الخدمة. ومع ذلك فإن الضمان يواصل تقديم خدماته للمواطنين على رغم هذا الوضع الصعب.

نزرٌ يسير من الذين تم توظيفهم في السنة الإنتخابية، لو تم توظيفهم في الضمان لكانت حُلَّت مشكلته على مستوى الكادر البشري.

اليوم، ومع قانون تجميد التوظيف، كيف سيستطيع الضمان مواصلة مهمته التي تزداد صعوبة يومًا بعد يوم؟

فوضى في وقف الهدر كما كانت الفوضى عارمة في الهدر والفساد.

***

المهم في مواجهة ثلاثية "موضة" الهدر والفساد والتوظيف هو المعادلة التالية: إذا كنتم تريدون المعالجة الجدية فما عليكم سوى تسمية الأمور بأسمائها، وما لم يحصل هذا الأمر فإن كل عملية ​مكافحة الفساد​ حركة بلا بركة. ان لم يحاسب جهراً ولو متعهد واحد فقط لكسر عين الشعب.

***

ففي موضوع التوظيف، اما آن الأوان لتسمية مَن وظَّف؟ ما لم تُنشَر الاسماء فإن كل الموضوع سيبقى حبرًا على ورق.

السؤال الكبير هنا: هل يكفي التسلُّح بالقانون؟ أم أن القانون يجب ان تكون له أظافر ليستطيع الصمود في وجه مَن يحاولون المسّ به؟

في القانون أن المادة 21 من قانون ​سلسلة الرتب والرواتب​ تنص على "منع جميع ​حالات​ التعاقد والتوظيف، بما فيها القطاع التعليمي والعسكري، بمختلف مستوياته واختصاصاته، وفي المشاريع المشتركة مع المنظمات الدولية المختلفة، إلا بقرار من ​مجلس الوزراء​" ومن الآخر ما كانت النتيجة؟

وفي القانون أيضًا ان المادة 13 من قانون الموظفين، تشير الى أنه "إذا جرى التعيين في وظيفة غير شاغرة في الملاك، أو في وظيفة لم يرصد لها اعتماد خاص في ​الموازنة​، يحظر على كل من المصفي والآمر بالصرف، تصفية النفقة الناجمة عنه وصرفها، حتى ولو وردهما أمر خطي بذلك. وعلى الآمر بالصرف أن يبلغ الأمر إلى وزير المال، وإلى ​مجلس الخدمة المدنية​، من أجل العمل على إلغاء نص التعيين". أما الفقرة السادسة من المادة 13 من قانون الموظفين فتقول "إذا كان التعيين مخالفا للأصول القانونية، يعتبر غير نافذ، ولا يترتب لصاحب العلاقة أي حق مكتسب من جرائه، حتى يستصدر من المرجع القضائي المختص قرارا مبرماً بقانونيته".

***

قوانين وارقام ومراجع، والنتيجة واحدة.

حضرات القيمين علينا، حاسبوا وأعلنوا ان "فلاناً" أعدنا منه المال المهدور الى خزينة الدولة، على أقله تحقيقاً لحلم جيل ​الشباب​ بالزواج بعد ان أقفل باب ​القروض​ الإسكانية عليهم وبالتالي تحديد النسل اللبناني.