يبدو ان الامور انتهت بالنسبة للتنسيق بين ​الولايات المتحدة الاميركية​ و​روسيا​ على تقاسم النفوذ في المنطقة، على اقلّ تقدير حتى انتهاء ولاية الرئيس الاميركي الحالي ​دونالد ترامب​. وعلى عكس الاجواء والتوقعات التي تصب في خانة حصول خلاف جوهري اساسي بين ​موسكو​ و​واشنطن​ على الكثير من الامور وفي مقدمها الوضع في منطقة ​الشرق الاوسط​ وتحديداً في ​سوريا​، فإنّ الدلائل تشير الى حصول العكس، والى ان التنسيق قائم بشكل وثيق بينهما على مختلف الصعد.

هذه المؤشرات حملتها الجولة الاخيرة التي قام بها وزير الخارجية الروسي ​سيرغي لافروف​ الى عدد من الدول العربيّة، والتي كانت قريبة جداً من جولة مماثلة لوزير الخارجية الاميركي ​مايك بومبيو​ الى المنطقة بعد فترة من زيارة مكوكيّة له الى دول خليجيّة. الواضح من الزيارات أنّ القاسم المشترك بينهما هو كيفية الاستفادة من الدول العربيّة، وتقاسم قالب الحلوى الذي تمثله هذه الدول بشكل يرضي الطرفين. والا كيف يمكن تفسير السكوت الاميركي على التصريحات الروسيّة والعربيّة التي اكّدت كلّها على تعزيز التعاون مع موسكو في مجالات شتى، علماً ان الدول الخليجيّة نفسها هي اقرب الحلفاء الى واشنطن ولا يمكنها ان تخرج بمثل هذه القرارات مع روسيا لو لم يكن هناك ضوء اخضر اميركي في هذا الخصوص. وليس من المنطقي التصوّر للحظة ان دولاً على غرار السعوديّة و​الامارات​ و​البحرين​ وغيرها... مستعدّة للتضحية بعلاقتها مع الاميركيين كرمى لعيون الروس، مهما اعتبر العرب أنّ هذه العلاقة غير متكافئة وليست لصالحهم بشكل كامل. وها هو لافروف قد صال وجال على دول المنطقة واطلق مواقف متقدمة جداً بالنسبة الى العلاقات مع الدول العربيّة والوضع في سوريا، ولم تقف واشنطن في وجهها إنْ كلامياً او عملياً. ويرى الكثيرون ايضاً أنّ المسألة التركيّة لن تفسد في الودّ قضيّة بين ​اميركا​ وروسيا، وان قضية بيع منظومة ​صواريخ​ "اس-400" الى ​انقرة​ لن تقف في وجه التنسيق القائم بين القوتين العظميين، وذهبوا الى اعتبار الموضوع متفق عليه مسبقاً ولا تداعيات له على المدى البعيد.

وقد تكون ​الادارة الاميركية​ وجدت ان تقاسم "هموم" المنطقة مع روسيا افضل بكثير من تولّيها زمام المبادرات بشكل دائم بشكل منفرد، وربما تعامل ترامب مع الامر على انه "استثمار" طويل الامد، بحيث يترك للروس التعاطي الميداني مع المشاكل، فيما يتقاسم معهم الهمّ السيّاسي والدبلوماسي في ظلّ "عجقة" الدول الضالعة بمشاريع المنطقة، اضافة الى حرص الطرفين على تفادي أيّ صدام عسكري محتمل بينهما، مقصوداً كان ام غير مقصود، لانّ من شأنه اشعال المنطقة وامتداد تأثيره الى ​العالم​ اجمع. وعليه، تبدو الاوضاع ملائمة اكثر من السابق لوضع تصور الحلّ السياسي لسوريا موضع التنفيذ، ولو أنّ مراحل تنفيذه ستأخذ وقتاً غير قليل، ولكنه وقت لن يذهب سدى إذ ستبدأ عملية إعادة الاعمار ونسج العلاقات الدبلوماسيّة مع سوريا بغطاء اميركي-روسي في وقت قريب، الامر الّذي سينعكس هدوءاً على الجبهة العربيّة وارساء لستاتيكو مدروس من شأنه ان يطول ويرسي مناخاً معيّناً في اجواء الشرق الاوسط عموماً.

إنها لحظة التفاؤل، ولكنه يبقى مرتبطاً باستمرار الرؤية الاميركية والروسية للامور، ومدى استعدادهما لعدم تغيير النظرة في الوقت الراهن ريثما تسلك الامور مسارها الطبيعي وتدخل المنطقة في جو من الهدوء بعد فترة من العواصف التي ضربتها.