لم ترسُ عملية خلط الأوراق التي تشهدها التحالفات السياسيّة منذ العام 2016 حين تبنى تيار "المستقبل" وحزب "​القوات اللبنانية​" ترشيح العماد ​ميشال عون​ ل​رئاسة الجمهورية​، حتى الساعة على بر آمن. اذ يبدو المشهد اليوم معقّدا أكثر من أيّ وقت مضى بعدما باتت معظم التحالفات تقوم على القطعة وليس بالجملة، وهو منطق لا يعتمده فريق سياسي أو 2 بل معظم الفرقاء الذين باتوا يجاهرون بذلك، وبخاصة بعد تصدّر العناوين والملفّات المحليّة الاهتمامات على ما عداها من ملفات اقليميّة رغم حماوتها.

وبالرغم من احياء "القوات" في اليومين الماضيين الخلاف على الاستراتيجيّة الدفاعيّة وسلاح ​حزب الله​، بعد هجومها على وزير الدفاع ​الياس بو صعب​ بدءًا من الموقف الذي أطلقه من ​الجنوب​، واعتبار رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​ أنّ البلد كله بات مستباحا لخدمة محور الممانعة، الا أنّه لا يبدو أن هناك ايّ مؤشرات توحي بامكانيّة ان تلتفّ مكونات ما كان يُعرف بفريق ​8 آذار​ مجددا حول بعضها البعض، فاذا كانت العناوين الكبرى تجمعها فانّ المصالح الآنيّة تفرقها، وهو ما يبدو جليًّا بشكل واضح في حركة تيار "المستقبل" ورئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ الذي بالرغم من كل العقبات التي يواجهها في مسار علاقته مع "​التيار الوطني الحر​" و​رئيس الجمهورية​، الا انه ما زال يعطيها الأولويّة على ما عداها من العلاقات، ما يزعج حلفاءه السابقين الذين لا يترددون بالحديث عن ذلك تحت وفوق الطاولة.

وفيما تنشغل القوى السياسيّة الكبرى بتسيير عمل الحكومة والاهمّ باقرار ​الموازنة​ لانتشال البلد من الازمة الاقتصاديّة الكبيرة التي يتخبط بها، تسعى القوى الأقل تأثيرا حكوميا لمحاولة رص الصفوف وخلق دور لها في المرحلة الحاليّة يعطيها دورا أكبر في المرحلة المقبلة. وهو ما تجلّى بسعي تيار "​المردة​" وحزب "الكتائب اللبنانيّة" لتحصين علاقتهما رغم خلافاتهما الاستراتيجيّة.

وتؤكد مصادر "الكتائب" انهم على تواصل مع "المردة" ومع غيره من الاحزاب السياسيّة "كي نكون شركاء بالانقاذ، فحين قررنا ان نلجأ الى صفوف المعارضة لم نقرر مقاطعة قوى السلطة بل انتقادها ومحاسبتها حيث يجب، والثناء على اي خطة او طرح نراه مفيدا للمصلحة العامة، ولذلك سنبقى معارضين شرسين حيث يجب، وداعمين لاي ملف او قضية حين يتطلب الأمر ذلك".

أما "المردة" الذي أعلن رئيسه ​سليمان فرنجية​ صراحة من منبر بيت "الكتائب" في ​الصيفي​ انه يضع رجلا في صفّ السلطة والرجل الأخرى في صف المعارضة، فلا ترى مصادره بذلك ما يستدعي للاستغراب، معتبرة أن "التركيبة السياسيّة حاليًّا لا تقوم على معارضة وموالاة، بل على أساس ديمقراطيّة توافقيّة تتيح لنا ان نسجل اعتراضنا في حال رأينا ان قرارا حكوميا ما لا ينسجم مع مصلحة اللبنانيين، من دون ان يعني ذلك على الاطلاق التهرّب من تحمل مسؤولياتنا باعتبارنا جزءا من هذه السلطة".

واذا كانت علاقة "أمل"–حزب الله كما علاقة "التيار الوطني الحر"–حزب الله راسختين لا تتزحزحان، فان علاقة "امل"–"الوطني الحر" كما "أمل"–"المستقبل"، تتأرجحان على وقع الملفات التي تطرح على الطاولة وان كان هناك ضبط واضح للايقاع. هذا الايقاع الذي خرج عنه تماما "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" عندما عادا ألدّ الأعداء السياسيين فبات كل منهما ينتظر الآخر عند أول مفترق.

فهل يؤسّس هذا المشهد لحياة سياسيّة ديمقراطيّة سويّة أم يهدّد بانفلات الأمور في أيّ لحظة بغياب التفاهمات الكبرى على المبادىء السياسيّة العامة والثوابت الوطنية؟.