مرّ عامٌ كاملٌ على الانتخابات النيابيّة، ومرّ معها عامٌ كاملٌ على "القطيعة" بين رئيس "الحزب التقدّمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​ ورئيس "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" ​طلال أرسلان​، قطيعة لم تنجح كلّ الوساطات التي بُذِلت على امتداد العام في إنهائها.

على العكس من ذلك، يمكن القول إنّ هذه القطيعة تكرّست وتعزّزت في العديد من المحطات التي شهدها الجبل، وهو ما تجلّى بوضوحٍ من خلال التلاقي الذي حصل بين أرسلان والوزير السابق ​وئام وهاب​، والذي وضعه كثيرون في إطار "النكايات" بجنبلاط.

اليوم، يمكن الحديث للمرّة الأولى عن خرق نوعيّ سُجّل على صعيد العلاقة بين "المير" و"البيك"، مع إعلان "الاشتراكي" إسقاط الحقّ الشخصي عن المتهم بقتل الشاب علاء أبو فرج، ما طرح علامات استفهام عمّا إذا كان من شأن ذلك التمهيد لـ "المصالحة" المنتظرة بين الرجلين...

إعلان مفاجئ؟!

مفاجئاً بدا بالنسبة إلى كثيرين، إعلان وزيري التربية أكرم شهيّب والصناعة وائل أبو فاعوربعد لقاء رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، إسقاط الحق الشخصي عن المتهم بقتل الشاب أبو فرج، على أن يسلم الإسقاط إلى القضاء المختص فور تسليم المتهم أمين السوقي.

لا شكّ أنّ عناصر "المفاجأة" في الخبر متعدّدة، يتصدّرها قبول "الاشتراكي"، ومعه عائلة أبو فرج، اعتماد مبدأ "التسوية" لإنهاء ملفّ مقتل الأخير، بعدما حوّله على مدى الأشهر السابقة إلى قصّة "حياة أو موت"، وبعدما شكّل سبباً مباشراً لتوتير العلاقة مع أرسلان، الذي اتهمه جنبلاط صراحةً بحماية المسؤول المباشر عن قتل أبو فرج، أيّ السوقي، وتهريبه إلى خارج البلاد، بدل تسليمه إلى القضاء لتأخذ العدالة مجراها، خصوصاً أنّ "الديمقراطي" كان يصرّ على أنّ لا علاقة للسوقي بما حصل.

ولعلّ ما يعزّز وجهة النظر هذه ينطلق من أنّ إصرار جنبلاط السابق على متابعة الملف حتى النهاية جعله يصطدم بأكثر من طرفٍ داخليّ، ليس فقط من حلفاء أرسلان الذين غضّوا النظر عمّا حصل وحاولوا الدفاع عنه، على غرار "​التيار الوطني الحر​"، الذي بات أرسلان جزءاً من تكتّله النيابي، بل أهدي نواباً من "التيار" ليشكّل كتلة يواجه من خلالها "الاشتراكي"، ولكن حتى من أصدقاء جنبلاط نفسه، على غرار رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، الذي لم يوفّره جنبلاط في انتقاداته المُعلَنة والمُبطَنة، وصولاً إلى حدّ وصفه بشكلٍ ساخر بـ"رجل الدولة الأول في لبنان"، ما أدّى يومها إلى "اشتباك" غير مسبوق بين الرجلين، وإن تمّ احتواؤه بعد فترة.

مصلحة متبادلة...

وإذا كان الإعلان عن إسقاط الحقّ الشخصيّ مفاجئاً انطلاقاً من كلّ ما سبق، ولو برّره "الاشتراكيون" بأنّه جاء "مشروطاً" بتسليم المتّهم أولاً، وهو ما لم يكن مُتاحاً في السابق، وما لم تستطع الدولة بكلّ أجهزتها إنجازه طيلة عامٍ كامل، فإنّه لم يكن كذلك بالنسبة إلى العارفين بالوساطة التي يقوم بها الرئيس عون منذ فترة، للتقريب بين الرجلين، علماً أنّ الخطوة الأولى قام بها "الديمقراطي" قبل فترة، وإن بقيت بعيدة عن الإعلام.

وفي حين تشير الكثير من المُعطيات إلى أنّ مبادرة عون لم تكتمل بعد، وهي ستوصل بطبيعة الحال إلى "مصالحة" بين "البيك" و"المير"، تُطرَح الكثير من علامات الاستفهام عمّا إذا كان ذلك أصبح وارداً، بعد كلّ "الاشتباكات" التي دخل فيها الرجلان، والتي أوحت بأنّهما لا يرغبان في التقارب مجدّداً، وأنّ المعادلة على الساحة الدرزيّة لم تعد كما كانت قبل عام، أقلّه من وجهة نظرهما.

وفي هذا السياق، يمكن القول إنّ "المصالحة" باتت عملياً مَطلَباً في مكانٍ ما لكلٍ من جنبلاط وأرسلان، وإن جاهر كلّ منهما بالعكس، لاعتباراتٍ وحساباتٍ متفاوتة. ولعلّ الوضع الدرزي-الدرزي يتصدّر الدوافع نحو هذه "المصالحة"، في ضوء الاحتقان الذي تشهده الساحة الدرزية على أكثر من صعيد، والذي ترجِم في العديد من المناسبات استعراضات قوة واشتباكات متبادلة، بل ثمّة من يتحدّث عن إلغاء احتفالاتٍ ومهرجاناتٍ خشية انقلاب الأمور دراماتيكياً، سواء بسبب التشنّج القائم، أو حتى بفعل دخول طابور خامس على الخط، قد يجد في التوتر فرصة ذهبية لأخذ الأمور إلى ما لا تُحمَد عقباه.

وإذا كان أرسلان يتطلع إلى المصالحة مع جنبلاط، انطلاقاً ممّا سبق، فضلاً عن شعوره بفقدان العديد من الامتيازات منذ القطيعة معه، باعتبار أنّ "البيك" يبقى "الزعيم الأول" درزياً، شاء من شاء وأبى من أبى، فإنّ جنبلاط يتفوّق عليه في السعي اليوم نحو المصالحة، بعكس ما كان عليه الوضع قبل عام. ولعلّ المشاكل التي يواجهها جنبلاط مع أكثر من طرف تختصر وضعه، فهو لم يعد يتمتع بالقوة نفسها التي كان عليها في السابق، بعدما تقلّص النفوذ الذي كان يحظى به يوم كان يوصَف ببيضة القبان بين القوى السياسية، في حين تدهورت علاقته بالكثير من الأفرقاء، وفي مقدّمهم "​حزب الله​"، بعدما كان "تنظيم الخلاف" بينهما يريحه في السابق، علماً أنّ اللقاء الذي جمع الجانبين بوساطة رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، لم يتخطّ حتى الآن دائرة "كسر الجليد وغسل القلوب"، ولم يرتقِ إلى مستوى فتح صفحة جديدة، أو حتى إنجاز مصالحة شكليّة.

علاقة مثيرة للجدل!

قد تكون العلاقة بين "البيك" و"المير" من أكثر العلاقات إثارةً للجدل على الساحة الداخلية، فالرجلان الأقوى على الساحة الدرزية كانا على امتداد مسيرتهما خصمين وحليفيْن في آن واحد، أو ربما لم يكونا يوماً لا خصميْن ولا حليفيْن.

قبل توتّر العلاقة بينهما ووصولها إلى حدّ القطيعة قبل عام، على خلفية الانتخابات النيابية، كان لأرسلان موقع خاص بالنسبة إلى جنبلاط، الذي كان يسمّيه وزيراً من حصّته، ويترك له مقعداً شاغراً شبه ثابت على لوائحه الانتخابيّة.

ومع أنّ المعادلة تغيّرت رأساً على عقب، بعد دخول الجانبين في مشاحناتٍ وسجالاتٍ ونكاياتٍ، فإنّ المؤشرات تدلّ على "رهانٍ" على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بما يخدم مصلحتهما، بانتظار اكتمال المقوّمات التي تسمح بذلك، وهو ما يبدو أنّه لم يعد بعيداً.